أمين أخباش.. مخترع صغير من الحوز يهز عالم التكنولوجيا من بوابة GITEX

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في ” تافزة”  قرية متواضعة، جماعة اوريكة، نواحي مراكش تابعة لإقليم الحوز، حيث الجبال تلامس السماء والطموح يتحدى الظروف، بزغ نجم طفل عبقري، اسمه أمين أخباش.

لم يبلغ بعد سن المراهقة، لكن اختراعاته وطموحاته وصلت إلى المنصات الدولية، وصوته الصادق العفوي تردد صداه في واحد من أكبر معارض التكنولوجيا في العالم، GITEX، حيث تحوّلت زيارة بالصدفة إلى حدث وطني ودولي، عنوانه الإبداع والاعتراف بالموهبة.

رحلة مفاجئة إلى GITEX تتحول إلى قصة ملهمة

كل شيء بدأ حين اقترح مصطفى أخباش، والد أمين، وهو صانع ديكور خشبي، أن يأخذ ابنه لزيارة معرض GITEX في مراكش، لكونه مهتمًا بالتكنولوجيا.

يخبرنا الأب: “بما أنه مهتم بهذا المجال، اقترحت عليه أن نزور المعرض بعد انتهاء عملي. أخبرته أنه معرض ضخم متخصص في التكنولوجيا، وكان لا يعلم أي شيء عنه. اتصلت بالمدير الإقليمي للتربية الوطنية لطلب تسهيل الزيارة بصفته تلميذاً.”

لكن الطريق لم يكن معبداً، عند وصولهما إلى المعرض، واجها مشكلة في الدخول بسبب عدم توفر “الشارة” الخاص بذلك.

تدخل المدير الإقليمي وسرعان ما أرسل لهما “شارة” واحدة، غير أن المشكلة استمرت لعدم توفر الأب على تصريح لمرافقة ابنه.

يقول والد امين ل” إعلام تيفي” هنا تدخلت سيدة تنتمي لنفس قرية العائلة، وكانت على دراية بموهبة أمين، فأعطتهما شارتين يخصان أفراداً من عائلتها.

ومع ذلك، ظهر عائق جديد: عمر أمين الصغير لم يكن يسمح له قانوناً بالدخول. لكن الحظ ابتسم لهما حين تعرف عليه المكلف بالبوابة الأخرى وسمح له بذلك.

بمجرد الدخول، بدأت الأنظار تلتفت نحو أمين، الطفل الذي صار حديث الزوار، يطلبون منه التقاط الصور.

وخلال جولتهما، توقف عند رواق إحدى شركات “apebi”، حيث أعجب بالرواق وأراد التقاط صورة بداخله.

لاحظته سيدة هناك وسألته عن نفسه، ثم أكدت أنه هو الطفل الذي اخترع كاشف الزلازل، وطلبت من أحد المسؤولين هناك التواصل مع رئيس الكونفدرالية المغربية للتكنولوجيا.

فعلاً، تم اللقاء، وتحدث أمين بكل تلقائية عن اختراعاته، فأثار إعجابهم. لحظات بعد ذلك، يقول والد أمين، حضرت رئيسة المنظمة المشرفة على المعرض، التي كانت قد شاهدت اختراعات أمين عبر الإنترنت، وطلبت منه أن يقدم نفسه واختراعاته على المنصة.

فوقف هناك، يتحدث بثقة أمام الجمهور دون تجهيزات ولا أدوات، فقط بالشرح الشفهي، فكان التصفيق يعم القاعة بعد كل فكرة يعرضها.

وبعدها في طريقه الى رواق الذكاء الاصطناعي، بدأ أمين يناقش والده عن إمكانيات البرمجة وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الاختراعات.

بمجرد ما وطأت قدمه الرواق، تعرّف عليه المشرف هناك، وطلب منه العارضون التقاط صور، ثم جاءت المسؤولة عن الرواق وتحدثت معه، بعد أن عرفته من فيديوهاته المنتشرة.

يضيف والد إمين: “أدخلته إلى إدارة الجناح، وطلبت منه مجموعة من المعلومات، ثم وضعوا صورة حسابه على الانستغرام  على الشاشة الكبيرة، وقدموه للجمهور باللغة الإنجليزية”.

صعد المنصة من جديد، قدم نفسه واختراعاته، فانهالت عليه التصفيقات، والهتافات باسمه، وقدموا له هدايا رمزية من بينها قبعة.

وعند خروجه، عبّر أمين عن رغبته في التقاط صورة مع الوزيرة أمل الفلاح السغروشني، وزيرة منتدبة لدى رئيس الحكومة، المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.

فتوجه الأب بنفسه إليها، وطلب منها صورة مع طفل صغير من الحوز، فاستجابت دون تردد.

تحدثا قليلاً، بالرغم من انها لا تعرفه، وتم التقاط الصورة، ليختتم يومه بلقب أطلقه عليه الجميع:”أيقونة GITEX و مخترع افريقيا”.

يقول الوالد:” عند العودة، فوجئت العائلة بانتشار واسع للمنشورات التي توثق زيارة أمين، رغم أن حضوره للمعرض كان بمحض الصدفة”.

دعم لا مشروط من والد يؤمن بالعلم

من بين أبرز لحظات مسيرة أمين، كانت ليلة اختراع الطائرة بدون طيار.

يروي الأب: “كنت نائماً، فإذا به يركض مع أخيه ويناديني: قد طارت، قد طارت! لم أفهم. خرجت لأجده يخبرني أنه اخترع طائرة بدون طيار، وتمكن من جعلها تقلع فعلاً.”

في الغد، أصر على تجربة اختراعه من جديد، رغم انشغال والده. توجهوا معاً إلى بقعة أرضية خالية، وهناك شرح أمين كيفية صنع الطائرة من قنينة شامبوان، مصابيح، وأدوات بسيطة، وفعلاً طارت. قام الأب بتصوير المشهد ونشره، لينتشر الفيديو كالنار في الهشيم.

لاحقاً، زاره المدير الإقليمي شخصياً في المنزل، وشارك الأب مقطع الفيديو الجديد أيضاً، الذي لقي تفاعلاً هائلاً.

وأوضح مصطفى أخباش أنه يسهر على دعم شغف ابنه، ويقول:”حين كنت صغيراً، كان لدي نفس الشغف، لكن لم ألق الدعم من والدي. لذلك، حين وجدت نفس الميول في أمين، قررت أن أكون عوناً له، مهما كانت الظروف.”

يضيف:”أحياناً لا أملك إلا ورقة نقدية واحدة، ومع ذلك أشتري له ما يحتاجه. اشتريت له “trottinette” قديمة بـ200 درهم، رغم أنها كانت كل ما لدي. لا أريد أن أكسر فيه هذا الشغف، من اجل ان يخترعة وسيلة النقل لكن عندما اراد ذلك واجهة مشكلة في الادوات اللازمة لذلك.”

وأشار الاب الى ان أمين لا يتوفر سوى على حقيبة صغيرة بها أدوات إلكترونية أهدتها له جمعية، وبفضلها اخترع السلة الذكية والسيارة الروبوتيك.

ليس أمين وحده من يملك هذا الشغف، فشقيقه الصغير “حديفة” يشاركه نفس الولع بالخردة، حيث يفضّلانها على الفواكه والخضر حين يذهبان إلى السوق، يقول الوالد.

موهبة أمين لم تكن وليدة اللحظة، بل بدأت منذ نعومة أظافره. يتذكر والده أول اختراعاته قائلاً:”منذ أن كان صغيراً، لاحظت أنه مختلف عن باقي الأطفال. أتذكر جيداً حين اخترع أول سيارة له من خلال علبة تونة، وعجلات من أغطية القنينات، وبعض الأسلاك. كانت لحظة فاصلة بالنسبة لي، فهمت حينها أن ابني يحمل بداخله موهبة فريدة، تستحق التشجيع والرعاية.”

رغم كل الدعم الذي يقدمه والد أمين له، إلا أنه يحرص على تربيته بطريقة متوازنة تضع العلم والابتكار في المقدمة.

ومن أبرز قراراته التربوية، أنه منع عنه الهاتف المحمول بشكل دائم، ويُبقيه أيضًا بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقول:”لا أريد أن يضيع تركيزه في أمور تافهة، أفضّل أن يستثمر وقته في التعلم والتجربة والاختراع، بدل أن يُستهلك أمام شاشة صغيرة.”

هذا القرار كان له أثر واضح في شخصية أمين، حيث أصبح أكثر ارتباطًا بالأشياء المحيطة به، وبات يرى في كل قطعة مكسورة فرصة جديدة للابتكار. تركيزه العالي وسرعة بديهته، كما يروي والده، هي ثمرة بيئة توفر له أقل قدر من التشويش وأكبر قدر من التحفيز.

تكريمات وتقدير رسمي في ملتقى التوجيه بتحناوت

أقيم ملتقى التوجيه المدرسي والمهني بتحناوت تحت شعار:”التوجيه رافعة لتحقيق النجاح والتنمية المستدامة”، وكان لأمين حضور خاص، حيث تم تخصيص رواق لعرض اختراعاته، وعلى رأسها جهاز رصد الزلازل.

كما وضعت المديرية الإقليمية صورته على الإعلان الرسمي للملتقى، كنوع من الاعتراف بموهبته، وتشجيعاً له.


وحظي الطفل المخترع بلقاء مع الكاتب العام لعمالة إقليم الحوز، الذي عبّر عن إعجابه الكبير بقدرات أمين، مشيداً بموهبته التي تمثل نموذجاً ملهمًا لتلاميذ المنطقة.

مستقبل واعد… وطموحات عالمية

ويؤكد أمين في تصريحه لـ”إعلام تيفي” أنه، كتلميذ في السنة الأولى إعدادي، يطمح إلى متابعة دراسته في مجال الروبوتيك بعد الباكالوريا، مشيرًا إلى أنه يسعى باستمرار إلى تطوير أفكاره وعدم التوقف عن الابتكار.

من بين آخر إبداعاته، سلة كهربائية ذكية، إلى جانب عمله المتواصل على تصليح الأدوات المكسورة وتحويلها إلى اختراعات مفيدة، مثل الهيليكوبتر التي أعاد تشغيلها اعتمادًا على أجزاء من مشروع سابق له.

يقول أمين بثقة الطفل الحالم وعقل المخترع الشغوف:”لا شيء مستحيل إذا وجدت الفكرة والإرادة. كل ما أراه حولي يمكن أن يتحول إلى اختراع… فقط أحتاج لبعض الأدوات، وبعض التشجيع.”

ويختم حديثه قائلًا: “أتمنى أن أشارك في معرض الدار البيضاء الدولي، وأواصل اختراع أشياء جديدة يمكن أن تفيد الناس.”

لم تتوقف مسيرة أمين عند زيارة معرض “جيتيكس”، بل كانت له أيضًا زيارة قديمة في معرض إكوتيك 2023، حيث نال اعجاب الزوار، خصوصًا الأطفال  الذين وجدوا فيه قدوة صغيرة تُلهمهم للسير في درب الابتكار.

في هذا المعرض، أتيحت له الفرصة للتحدث عن تجاربه في الاختراع والإبداع انطلاقًا من أدوات بسيطة، وهو ما أثار إعجاب العديد من العارضين، الذين عبّروا عن انبهارهم بإصراره وشغفه.

شكلت هذه المشاركة محطة مهمة في مساره، حيث زادت من ثقته في نفسه، وأكدت له أن حلمه في أن يصبح مهندسًا ومخترعًا معروفًا بات أقرب إلى التحقق.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى