أي سيناريو يمكن لإعلان الدولة الفلسطينية أن يسلكه؟

عبد الفتاح نعوم

– سقف العملية السياسية ومداها وسدرة منتهاها بشأن الدولة الفلسطينية المرجوة هو ذلك الذي تمثله قضايا الوضع النهائي التي شكلتها أوفاق أوسلو.
– كما كان من المستحيل الرهان على عملية سياسية يمكن أن تنتهي بإعلان سلطة وطنية فلسطينية تفاوض على الدولة والوضع النهائي، فإن فرص تنزيل الوضع النهائي أو إنتاج خارطة طريقة للاقتراب منه يمكن أن يحدث بذات المنحى والطريقة والضغط.
– وكما جاءت نتائج الانتفاضة الأولى ولو بعد حين بمكتسبات أوسلو، وأدت الانتفاضة الثانية ولو بعد حين إلى الانسحاب من غزة عام 2005، فإنه من شأن أحداث السابع من اكتوبر وما تلاها أن تأتي بمسار ينتهي بتنزيل ولو جزء من مضامين أوسلو، انطلاقا مما يمكن أن يرشَح عن تفاعلات الرباعي السعودي القطري الأمريكي الإسرائيلي.
– إذا توافقت السعودية وقطر على توزيع للأدوار يؤهل إلى انتزاع سعودي للتعهد الاسرائيلي الأمريكي بمسار ينتهي بإعلان الدولة مقابل التطبيع، وبإعلان الدولة الفلسطينية مقابل تطبيع قطري، فإن جزءا أساسيا من قضايا الحل النهائي سيكون قد جرى استحداثه وفتح كوة للسلام على ضوئه.
– كما اعترفت إسرائيل بين العامين 1993 و1995 بسلطة وطنية فلسطينية تدير تراب الدولة المأمولة، ويدير اقتصادها الاقتصادُ الاسرائيلي انطلاقا من بروتوكول باريس للعام 1994 الملحق باتفاق غزة-أريحا، فإن موازين القوى الحالية ستجعل إسرائيل ملزمة بالاعتراف بدولة فلسطينية تتولى معالجة باقي قضايا الحل النهائي الثلاثة الأخرى.
– التفكير في القضايا الأربعة يبين أهمية جهود المغرب حيال مسألة القدس، وانكباب الإمارات ومصر والأردن على مسألتي اللاجئين والعودة والتهجير والاستيطان، فيما ستتولى المفاوضات السعودية القطرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل الوصول إلى الحل الرابع المتمثل في إنهاء مشكلة الدولة والحدود.
– ستعرقل إسرائيل قدر الإمكان مساعي الوصول إلى إعلان الدولة الفلسطينية، وذلك بقدر ما يُصر المتطرفون على الإبقاء على حالة الجمود والإنكار واللايقين اتجاه هذا المبتغى، لكنها هي نفسها الإسرائيل التي تحتاج أيضا إلى تطبيع مع دول عربية أخرى، بل وثمة تيار داخل إسرائيل وخارجها هو بحاجة إلى الخروج من مأزق جوار مع فلسطين وهي في وضعية لا دولة يمكنها أن تكرر سيناريو السابع من اكتوبر إلى ما لا نهاية، مع كل تداعياته، ولاسيما في ظل ترسخ اليقين باستحالة إبادة الشعب الفلسطيني أو تهجيره أو إقناعه بالذوبان داخل إسرائيل، وقد سبق لهيلاري كلينتون أن أقرت بذلك أمام أنظار الأيباك خلال العام 2010.
– فرصة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن، وخصوصا خلال فترة ترامب الراغب في إحلال سلام داخل المنطقة، بما يؤمّن انسحابا أمريكيا صحيّا نحو افريقيا وسواحل الأطلسي، هي فرصة سوف لن تبرح إلزامية إقناع متطرفي إسرائيل(في الداخل والخارج) بضرورة إعلان الدولة ولو بالابقاء على تهلهل وتجميد باقي ملفات الحدود والاستيطان والعودة والقدس لتبقى موضوعة على طاولة المفاوضات بين الدولتين الجارتين.
– لغة ترامب وفريقه التي تحمل مفردات الاقتصاد والاستثمار والعقار والإعمار وغيرها من شأنها إقناع/أو الضغط على اللوبي الداعم والمحرك لمتطرفي الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها، والذين ليس سموتريتش وبن غافير وغيرهما سوى تعبير سياسي عنها، بقدر ما هذه الصهيونية ليست في النهاية سوى “كارتل” استثماري يستغل الدين اليهودي بطريقة أو بأخرى.
– الأفق في المدى المنظور هو دولة فلسطينية تتنازع مع دولة إسرائيلية على الحدود وتدبير الشأن الديني للقدس والانسحاب من المستوطنات والجيوب وفتح باب الحق في العودة في المناحي والاتجاهات التي سيجري الاتفاق عليها في حينها. وهكذا لن يختلف وضع فلسطين حينئذ عن مشكلات إسرائيل مع لبنان وسوريا، ولن تتوقف هواجسها عن إضعاف الدول الثلاثة والحيلولة دون تقوي جيوشها واقتصاداتها أو تواشج أنظمتها السياسية مع من يزعج إسرائيل.
– مشكلات فلسطين وإسرائيل المستقبلية لن تختلف أيضا عن مشكلات الدول التي خرجت من رحم حروب استقلال أو حروب هيمنة، وهي مشكلات تملأ العالم، وقد خلفت عشرات الظواهر الغريبة والفريدة والمعقدة والطريفة أحيانا إن في حدود الأراضي أو في حدود الديموغرافيا والثقافة. ومن ذلك أنه قد يتعايش مكون يهودي مستوطن داخل فلسطين الجديدة، كما يتعايش مكون عربي داخل النقب والجولان والخط الأخضر داخل إسرائيل.
– تُناضل الدولة العربية الفاعلة في هذا الملف على مدى عقود طويلة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة، وهي دول “الأربعة” (مصر والأردن والسعودية والمغرب) “زائد الإثنان” (قطر والإمارات)، وبقدر تباين فلسفة الرباعي عن فلسفة نظيره الثنائي حيال هذا الشأن، بقدر ما يبدو أن تحقيق نتيجة إعلان الدولة الفلسطينية يوما ما، وعساه في القريب العاجل، سيكون نتيجة تظافر جهود هذا السداسي الفاعل المتظافر، المؤْمن بدور السياسة والضغط الدبلوماسي والتفاوض والمساندة المُطلقة لحقوق الفلسطينيين.
– إقامة دولة فلسطينية تُناضل على ما تبقى من حقوقها هي اليوم حاجة أمريكية إسرائيلية، فضلا عن كونها مطلب فلسطيني عربي راسخ وثابت، لكنها أيضا ستعرِّي الكثير من المُتاجرين والكذبة وأصحاب الشعارات، سواء أكانوا أنظمة فاسدة مستبدة تتدثر بعباءة شعارات دعم فلسطين، أم كانوا تنظيمات وأشخاص حوّلوا هذه القضية إلى محافظة عقارية لإنتاج صكوك الاتهام والإدانة لكل مخالف لغايات لا تخفى على أحد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى