اختبار الأمطار يكشف زيف المشاريع التي تطبل لها بعض المجالس الجماعية!!

نجوى القاسمي : صحافية متدربة

لم تكن التساقطات المطرية الأخيرة سوى امتحان بسيط كشف مرة أخرى هشاشة البنيات التحتية في عدد من المدن المغربية، من الشمال إلى الجنوب، حيث تحولت الشوارع إلى أنهار، والأحياء إلى برك ، فيما عجزت قنوات الصرف الصحي المتهالكة عن استيعاب كميات الأمطار، مخلفةً وراءها كوارث إنسانية وصورا مأساوية اختلط فيها الغضب الشعبي بالسخرية السوداء.

برشيد.. المدينة التي غرقت عند أول اختبار
في مدينة برشيد، فوجئ السكان الثلاثاء 4 مارس بتساقطات مطرية أغرقت شوارع وأزقة المدينة، وأحالت بعض الأحياء، خاصة بالمدينة القديمة والحي الحسني، إلى بحيرات موحلة، ووصل الأمر إلى غمر مقر عمالة الإقليم نفسه، في مشهد يجسد عجزا صارخا في البنية التحتية التي لم تصمد أمام “أمطار الخير”. السكان، الغاضبون ومرعوبون من تكرار السيناريو في الأيام المقبلة، وجهوا أصابع الاتهام للمسؤولين المحليين، الذين يكتفون بالتفرج على الفيضانات كل موسم دون أن تتغير معادلة “أمطار = فيضانات”.

طنجة.. مدينة الحلم تغرق في الوحل
أما في طنجة، فقد عادت التساقطات المطرية الأخيرة لتؤكد أن مدينة البوغاز رغم شعارات التأهيل والتهيئة، مازالت رهينة بنية تحتية هشة، إذ تحولت شوارعها وأحياؤها الجانبية إلى مستنقعات عجزت قنوات الصرف الصحي على استيعابها. وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تعري الواقع الكارثي، وسط موجة سخرية ونقد لاذع للمجلس الجماعي. طنجة، التي يفترض أنها واجهة المغرب المتوسطية والسياحية، تغرق عند أول زخة مطر، وكأنها قرية منسية بلا أدنى تجهيزات أساسية.

الفقيه بن صالح.. السيول تبتلع طفلا
في مشهد أكثر مأساوية، جرفت السيول العارمة تلميذًا صغيرًا لا يتجاوز عمره 8 سنوات، كان في طريقه إلى مدرسته في حد بوموسى بإقليم الفقيه بن صالح. ومنذ صباح الخميس، تواصل فرق الإنقاذ والوقاية المدنية عمليات البحث عن جثته وسط سيول عاتية تحولت إلى أفخاخ قاتلة بسبب غياب بنية صرف مائية محترمة. مأساة التلميذ ليست سوى تفصيل صغير في مسلسل إهمال القرى والهامش، حيث يغيب التخطيط، وتحل العشوائية مكان البنية التحتية.

بركان.. فاجعة قبل الإفطار
وفي مدينة بركان، شهد دوار جابر مساء أمس فاجعة مؤلمة، حين جرفت السيول طفلة صغيرة وأباها، في مشهد صادم للساكنة. ورغم إنقاذ الأب، إلا أن الطفلة سقطت في بالوعة مفتوحة للمياه العادمة، ولم يتم العثور عليها بعد مرور ساعات من البحث. هذه البالوعة، التي كان يفترض أن تكون مغلقة ومحكمة، تحولت إلى فخ قاتل بسبب تهاون الجهات المسؤولة، التي يبدو أن أولوياتها لا تشمل صيانة البنيات التحتية ولا سلامة الأطفال.

بينما تتكرر هذه المشاهد المذلة في مدن وقرى المغرب، تجد الحكومة نفسها منشغلة بالتحضيرات لكأس العالم 2030، وكأن البنية التحتية المهترئة لا تعنيها. المسؤولون يتحدثون عن مشاريع ضخمة واستثمارات رياضية عملاقة، فيما المواطن يغرق في حفرة، أو تبتلعه بالوعات الطرق، أو تجرفه المياه  أو يعلق في زحمة طوفانية كلما قررت السماء أن تمطر.

أمطار الخير كشفت عن سوء التدبير، وفضحت كالعادة حقيقة المشاريع التي تُرصّع بها تقارير المنجزات، لكنها تتبخر مع أول اختبار طبيعي. وإذا كانت هذه التساقطات قد كشفت هشاشة المدن، فإنها أيضا عرّت غياب رؤية حكومية حقيقية تُنصِف المواطن البسيط قبل أن تلاحق الأضواء في ملاعب المونديال.

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى