الأحرار يُكسر عظام الاستقلال

إعلام تيفي – الرباط
لم يكن أكثر المتابعين تفاؤلا يتوقّع أن تنفجر الخلافات داخل التحالف الحكومي بهذا الشكل الحاد، حيث دخل حزب التجمع الوطني للأحرار في مواجهة مفتوحة مع حزب الاستقلال، بدأت تتجلى ملامحها في سلسلة من الإعفاءات التي طالت مسؤولين محسوبين على هذا الأخير، أبرزها إعفاء الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية، أحد أبرز الكفاءات الاستقلالية في القطاع، بعد أيام قليلة من خرجات نزار بركة النارية بخصوص غلاء الأسعار وملف دعم الأضاحي الذي طال بعض برلمانيي الأحرار.
قرار أثار الكثير من التساؤلات حول نوايا الحزب الأغلبي، الذي يبدو أنه اختار كسر عظام شركائه قبل خصومه، في وقت يُفترض فيه أن التحالف الحكومي يعمل بمنطق التضامن والميثاق الأخلاقي بين مكوناته. لكن “حزب أخنوش”، عبر قرارات وزرائه، يبعث برسائل واضحة مفادها أن زمن المجاملات قد انتهى، وأن بسط النفوذ على مفاصل القطاعات الحكومية والمؤسسات الاستراتيجية يمرّ عبر إزاحة الحلفاء قبل مواجهة الخصوم.
في المقابل، يدرك حزب الاستقلال أن ما يجري ليس معزولا عن سياق سياسي أوسع تُعاد فيه صياغة توازنات القوة داخل الحكومة، وهو ما يجعله يتعامل بكثير من الحذر مع هذه التحركات التي يراها استهدافا مباشرا لمواقعه ومكتسباته، خاصة في قطاع التربية الوطنية الذي ظل دوما مجالا استراتيجيا له. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد بدأ بدوره يستشعر رياح الإعفاءات المقبلة، وسط تسريبات تتحدث عن تغييرات مرتقبة في مناصب عليا يشغلها محسوبون عليه.
جميع المؤشرات توحي بأننا أمام بداية مرحلة سياسية جديدة داخل الأغلبية، تُعاد فيها هندسة موازين النفوذ، وتُرسم فيها معالم سيطرة الحزب الأزرق على مفاتيح تدبير الشأن العام. ففي الوقت الذي يسعى فيه حزب الأحرار إلى توسيع دائرة تحكمه داخل الوزارات والمؤسسات الاستراتيجية، تحاول باقي مكونات الأغلبية الحفاظ على توازن هشّ وتفادي الانزلاق نحو صدام مباشر، مع الاحتفاظ بهامش مناورة محدود داخل تحالف بدأت تتآكل ملامحه.
وتُبرز هذه التطورات أن التحالف الحكومي، الذي نشأ من توافق ظرفي، بدأ يتعرض لتصدعات عميقة تحت وطأة الحسابات الحزبية والمصالح الانتخابية، حيث تراجعت أولويات الإصلاح وتدبير الأزمات أمام منطق الاصطفاف والصراع على النفوذ. وبينما ينتظر المواطن المغربي حلولا ملموسة لأزماته اليومية، تنشغل مكونات الأغلبية بتقوية مواقعها استعدادا لما بعد 2026، في مشهد يُعيد إنتاج منطق الهيمنة بدل التشارك، ويُضعف ما تبقى من ثقة المواطنين في التجربة السياسية القائمة.
وفي حال استمرار هذا النهج التصعيدي، لا يُستبعد أن يلوّح أحد مكونات الأغلبية الحكومية بورقة الانسحاب من تدبير الشأن العام، إذا ما أحسّت أن وجودها داخل الأغلبية بات شكليا ومجرد “كومبارس” في مسرحية مكتوبة داخل مكتب مُكيّف لأحد الهولدينغات الزرقاء.