
حسين العياشي
أصدر المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة (CAESD) تقريرًا معمّقًا حول مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر، مسلطًا الضوء على التحديات البيئية العميقة التي تواجه القطاع الفلاحي في المغرب، وعلى رأسها الإجهاد المائي وتأثيرات التغيرات المناخية. ويقدّم التقرير رؤية شاملة حول الاختلالات الهيكلية للسياسات الفلاحية، مع توصيات إصلاحية تهدف إلى ضمان استدامة القطاع في المستقبل.
منذ انطلاقه في 2008، كان المخطط يهدف إلى خلق نقلة نوعية: رفع الإنتاجية، زيادة الصادرات، وتطوير الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة العالية، مع دعم الفلاحة التضامنية في المناطق الهشة. لكن الواقع الميداني كشف عن فجوة كبيرة بين الأهداف وطريقة التنفيذ، إذ أفرزت السنوات الأولى توسعًا كبيرًا في المساحات المسقية، وزيادة الضغط على الموارد المائية، ما أدى إلى تدهور بعض الفرشات الباطنية وارتفاع معدلات تملح التربة في مناطق مثل زاكورة وسوس ماسة.
يبرز الإجهاد المائي كأحد أخطر التحديات البيئية. فزراعة الأفوكادو، على سبيل المثال، تستهلك نحو 8000 متر مكعب من المياه لكل هكتار سنويًا، فيما يستهلك البطيخ الأحمر بين 3800 و4300 متر مكعب للهكتار. في مناطق تعاني أساسًا من ندرة المياه، تصبح هذه الزراعات نوعًا من “الانتحار المائي”، يعمق الأزمة ويهدد الأراضي بالتصحر والتملح. ومع تغير المناخ، تضاعف هذه المخاطر، ما يجعل إدارة الموارد المائية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
رغم المكاسب الملموسة، لم يستطع المخطط تجاوز بعض التناقضات. التوسع في الزراعات المائية لم يصاحبه تحقيق الاستدامة البيئية، والفجوة بين كبار الفلاحين والصغار ما تزال قائمة، إذ يحصل كبار المستثمرين على الدعم الكامل، بينما تعيش القرى الهشة على الزراعة المطرية التي لا توفر لهم أي حماية من تقلبات الطقس والجفاف المستمر.
لمواجهة هذه الاختلالات، أطلقت الحكومة استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030، التي ركزت على استدامة الموارد المائية، تكييف الزراعة مع التغيرات المناخية، وإدماج الشباب، عبر خلق أكثر من 350 ألف فرصة عمل. إلا أن التقرير يشير إلى أن البطء في التطبيق، خاصة في المناطق المتأثرة بالجفاف، وغياب العدالة المجالية بين الفلاحين، يعيق تحقيق الأهداف المرجوة.
ويؤكد التقرير على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات: وضع السيادة المائية قبل السيادة الغذائية، توجيه الدعم نحو الزراعات المعيشية كالقمح والشعير، تعزيز تقنيات الري الحديثة وترشيد استهلاك المياه. كما يدعو إلى تشجيع التعاونيات الفلاحية ودعم المشاريع الصغرى والمتوسطة، وتعزيز التنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية لضمان تكامل السياسات وتفادي تضارب القرارات.
تُظهر الإحصائيات أن المغرب فقد فرصًا كبيرة في تحقيق الاستدامة، لكن في الوقت نفسه، يبقى القطاع الزراعي محركًا رئيسيًا للاقتصاد، ورافدًا مهمًا لسوق العمل، خصوصًا في المناطق القروية. والتحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين الطموحات التنموية وحماية الموارد الطبيعية، لضمان أن تصبح الزراعة المغربية نموذجًا للاستدامة والابتكار، لا مجرد حكاية عن تصدير منتوجات مكلفة واستنزاف للمياه.
في النهاية، يترك التقرير رسالة واضحة: إن نجاح مخطط المغرب الأخضر والجيل الأخضر لن يقاس بعدد الهكتارات المزروعة أو حجم الصادرات فقط، بل بقدرة هذه السياسات على حماية الأرض والمياه وتأمين مستقبل الفلاحين والمستهلكين على حد سواء، في مواجهة جفاف متزايد وتغيرات مناخية قد تصبح حادة أكثر في السنوات القادمة.





