
فاطمة الزهراء ايت ناصر
أكد المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن الخطاب الملكي الأخير سلط الضوء على واحدة من أهم الإشكالات البنيوية التي تواجه النموذج التنموي الوطني، والمتمثلة في الفوارق المجالية بين مغرب المركز ومغرب الهامش، مشيرا إلى أن الملك قدم رؤية جديدة لتجاوز هذا الانقسام الذي طالما شكل عائقا أمام تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
وأوضح الأزرق ل”إعلام تيفي” أن الخطاب حمل نظرة استراتيجية تعتبر المناطق الهامشية فرصة استثمارية حقيقية، وليس عبئا تنمويا كما كان ينظر إليها في السابق، مشددا على أن هذه المناطق تتوفر على إمكانيات طبيعية وبشرية كبيرة يمكن أن تشكل رافعة للاقتصاد الوطني إذا ما أحسن استثمارها.
وأضاف أن الملك دعا إلى مراجعة منطق توزيع الاستثمارات العمومية والخاصة، من خلال اعتماد آليات مثل التمييز الإيجابي، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتوجيه الاستثمارات نحو الجهات الجبلية والنائية، بما يضمن العدالة المجالية ويخلق فرصا جديدة للنمو المحلي.
وكشف المحلل الاقتصادي أن من بين أبرز الأهداف التي أشار إليها الخطاب الملكي التركيز على تشغيل الشباب وخلق دينامية اقتصادية محلية، معتبرا أن هذا التوجه يشكل استمرارية للجيل الجديد من الأوراش التنموية التي أعلن عنها الملك في خطابات سابقة.
وأوضح أن تشغيل الشباب في المناطق الهامشية يجب أن يكون في صلب السياسات العمومية المقبلة، من خلال تشجيع المبادرات المقاولاتية ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتبسيط الولوج إلى التمويل، لأن البطالة تظل أحد أبرز التحديات التي تواجه الفئات الشابة في ظل محدودية فرص الشغل في المدن الكبرى وهشاشة سوق العمل.
وأشار الأزرق إلى أن جلالة الملك دعا في خطابه إلى تسريع وتيرة تنزيل الأوراش التنموية المفتوحة، مبرزاً أن هناك بطئاً في تنفيذ بعض البرامج الاستراتيجية، وهو ما يتطلب ـ حسب قوله ـ رفع مستوى الفعالية والمردودية، إلى جانب إرساء ميثاق أخلاقي جديد يؤطر العلاقات بين مختلف الفاعلين السياسيين ويضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الحزبية والانتخابية.
وأضح المحلل أن الخطاب الملكي تضمن كذلك إشارات قوية تجاه البرلمان والحكومة، حيث ذكر الملك البرلمان بأدواره الأساسية في التشريع والمراقبة والتقييم، كما أكد على ضرورة تحسين التواصل بين الحكومة ومؤسسة البرلمان، سواء بالنسبة للأغلبية أو المعارضة.
وأبرز أن التواصل الفعال بين المؤسستين على المستويين الرقمي والترابي يمكن أن يُسهم في تجاوز الكثير من الأعطاب الراهنة، ويمكّن المواطن من الاطلاع على مختلف المبادرات العمومية وفهم أهدافها.
وأكد الأزرق أن التشاركية كانت من بين المحاور المركزية في الخطاب، إذ أوضح الملك أن تنزيل السياسات العمومية لم يعد مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو عملية جماعية تشمل المجتمع المدني، والفاعلين المحليين، والمعارضة، والمواطنين أنفسهم.
واعتبر أن المجتمع المدني اليوم يلعب دورا محوريا في تتبع السياسات العمومية وتقييمها والضغط من أجل تنفيذ الالتزامات الحكومية، وهو ما يشكل – حسب الأزرق – ضمانة إضافية لتحسين جودة هذه السياسات وتكييفها مع واقع المواطنين.
وأشار بدر زاهر الأزرق إلى أن الخطاب الملكي كان دعوة واضحة لتسريع وتيرة التنمية، وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، وبناء مغرب يقوم على العدالة المجالية والمشاركة المواطنة، مشددا على أن الرؤية الملكية تؤسس لمرحلة جديدة قوامها الإنصات، والتواصل، وتكافؤ الفرص بين كل الجهات، من أجل تحقيق تنمية شاملة تعيد التوازن بين المركز والهامش وتفتح آفاقا واسعة أمام الشباب المغربي.





