الانتخابات التشريعية في تونس أو رهانات اقتراع متفرد
وتبدو الانتخابات التشريعية التي تنظم خلال الفترة الفاصلة بين جولتي الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، التي أحدثت نتائج جولتها الأولى زلزالا سياسيا حقيقيا، غير محسومة وقد لا تخلو من مفاجآت وتحديات.
ولعل أشد ما يُخشى في هذه الانتخابات المتفردة، تسجيل اختراق جديد من قبل القوائم المستقلة ولاسيما من الموجة الشعبوية.
كما يُخشى من أن تفرز هذه الاستحقاقات تمثيلية فسيفسائية داخل مجلس نواب الشعب المقبل (البرلمان).
مثل هذا السيناريو لن يخلو من مخاطر وعواقب وخيمة على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، على اعتبار أن مشهدا من هذا القبيل قد يجعل حكم البلاد أمرا صعبا للغاية مع استحالة إجراء الإصلاحات الضرورية.
الحملة الانتخابية الفاترة، التي لم تنجح في إثارة نقاش عام حقيقي حول القضايا الساخنة الكبرى التي تشغل بال التونسيين، تنتهي اليوم الجمعة، في ظل نوع من اللامبالاة والتساؤلات الملحة أيضا.
وبالنظر إلى تسريبات نتائج بعض استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت، والتي تكشف أن حزب “قلب تونس” سيكون الأوفر حظا، ارتفعت حدة التوتر لدى البعض، وخاصة لدى حركة النهضة (الاسلامية).
وبشكل مفاجئ تغيرت نبرة خطاب ولهجة هذه الحركة التي طالما دافعت عن فضائل التوافق. وبلغ بها الأمر إلى حد إنكار أي مسؤولية عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، مع أنها كانت في الحكم لمدة عامين، قبل أن تضطر إلى تقاسمه والتعايش مع حركة “نداء تونس” بعد انتخابات 2014.
ومع شعورها بالخطر الداهم، وسعيا إلى تجنب تلقي صفعة جديدة مع عواقب وخيمة على وحدة صفوفها التي بدأت تشهد تشققات، اعتمدت النهضة حملة هجومية شرسة مع اختيار شعار لا يخلو من رمزية مؤداه: “العدل أساس العمران”.
وأكثر ما يثير قلق العديد من المراقبين والمحللين هو أن هذه الحملة تمثل عودة بالحركة إلى خطاب ذي نبرة أصولية، بعد أن أعلنت رسميا في آخر مؤتمر لها في 2016 تحولها إلى حزب مدني جمهوري ونبذ كل نشاط دعوي.
ولكي تجعل الوضع يميل لصالحها، شرعت الحركة في العودة إلى الروح الثورية بالدعوة في تجمعاتها إلى “التصويت المفيد” وتقديم الحركة كخيار “مفيد” للناخبين بحجة أنها الحزب الذي له أكثر الحظوظ ليحكم في مواجهة “القوى المعادية للثورة”، في إشارة إلى الحزب الذي أسسه نبيل القروي، والذي تشير التوقعات إلى احتمال تحقيقه لنتائج جيدة.
راشد الغنوشي رئيس الحركة الذي ترشح للمرة الأولى، يؤكد أن “الهدف الرئيسي في هذه المرحلة هو سد الطريق أمام الفساد”.
واستخدمت فكرة العودة إلى الروح الثورية كشعار، وهي الدعوة التي كررها قادة النهضة في كل تجمعاتهم. الحبيب اللوز وهو أحد صقور الحركة قال في هذا السياق: “أدعوكم للتصويت للنهضة لأن مشيئة الله تفرض ذلك لمصلحة البلاد”.
ويجد التوتر الذي يسود في الحركة مصدره في التقدم الكبير الذي يحرزه حزب “قلب تونس” على أرض الميدان. هذا الحزب الذي انخرط رئيسه منذ بضع سنوات في “العمل الخيري”، يبدو بمثابة المنافس الوحيد القادر على الإطاحة بالحزب الإسلامي مرة أخرى.
وبحسب ذات المصادر فإن الإبقاء على رئيس حزب “قلب تونس” في السجن والحملة الشرسة التي تقودها زوجته يوحيان بأن الأبواب ستكون مفتوحة أمامه لتشكيل الحكومة المقبلة.
وإزاء خطر إعادة تشكيل المشهد السياسي، والاختراق الشعبوي واستيلاء تيارات متطرفة على السلطة، تم إطلاق العديد من الدعوات من أجل توحيد القوى الوسطية والتقدمية، دون أن تجد لها آذانا صاغية.
فقد دعت الجامعية رجاء بن سلامة كلا من الحزب الدستوري الحر، و”تحيا تونس”، و”قلب تونس”، ومنظمة “عيش تونسي” والمستقلين التقدميين إلى توحيد الصفوف لكي يكون لها ثقل برلماني قادر على تشكيل الحكومة القادمة.
ومع ذلك، يتفق الجميع على أن الاستقرار البرلماني يتطلب ائتلافا من 109 نواب. وهو عدد النواب المطلوب للحصول على الأغلبية. ففي عام 2014، كان تحالف “نداء تونس”، حزب الراحل الباجي قائد السبسي، والنهضة يوفران هذه الأغلبية من خلال 86 نائبا للنداء، و 68 نائبا للنهضة.
أما اليوم، فإن الأمر يتطلب في أحسن الأحوال، تحالفا من خمسة أحزاب لتشكيل ائتلاف. ويعتقد المراقبون أن هذا الهدف يبدو مستعصيا إن لم يكن مستحيلا بالفعل، بالنظر إلى الصراعات التي تقسم الطبقة السياسية.
وفي مواجهة حركة النهضة، تبدو القوائم المستقلة بمثابة المقياس الحقيقي للانتخابات التشريعية.
وفي الواقع، فإن الانتخابات التشريعية تؤكد ثقل القوائم المستقلة (722 من أصل مجموع 1572)، مع انخراط أكبر للمجتمع المدني في العمل السياسي وتراجع الأحزاب التقليدية ولاسيما الوسطية واليسارية التي فضلت خوض غمار هذا الاستحقاق الانتخابي بصفوف متناثرة.
ويعد ائتلاف القوائم المستقلة “عيش تونسي” من بين الأوفر حظا في هذه الانتخابات إذ يزعج صعودها يزعج الأحزاب الكبيرة.
ويعزو سليم بن حسن، رئيس الحركة، ارتقاء هذا الائتلاف إلى جودة العمل الذي أنجزه قبل عام.
ويقول إن سر هذا النجاح يكمن “في كوننا نجسد رياحا جديدة، ومرشحونا هم من المجتمع وليسوا من محترفي السياسة. فقد التزموا جميعا بالتنازل عن امتيازاتهم كبرلمانيين وكذا التخلي عن الحصانة وعدم ممارسة الترحال البرلماني، وهذا ما يجعلنا مختلفين جدا عن الأحزاب”.
وفي ظل هذه الدوامة تبدو انتخابات 6 أكتوبر غير محسومة النتائج وعلى قدر من التعقيد.
ولعدل ما يدل على ذلك هو العدد الكبير للقوائم: 1572 قائمة في 33 دائرة انتخابية، في تونس والخارج، فضلا عن المرشحين المتنافسين (15737) من أجل شغل مقاعد في البرلمان المقبل، والذي يتكون من 217 مقعدا، فيما يبلغ عدد مكاتب التصويت في الانتخابات التشريعية 13450 في داخل البلاد و 384 مكتبا في الخارج.
وفي انتظار ما ستفرزه صناديق الاقتراع، تجدر الإشارة إلى أن آخر موعد لإعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية حدد في يوم 10 أكتوبر الجاري، في حين من المقرر الإعلان عن النتائج النهائية في 13 نونبر المقبل.