البنوك المغربية تغلق عشرات الوكالات: استراتيجية رقمية أم مؤشرات على انكماش اقتصادي؟

بشرى عطوشي

تشهد الشبكة البنكية المغربية تحولًا لافتًا في بنيتها التشغيلية، تمثل في إغلاق عدد كبير من الوكالات البنكية خلال العام 2024، حيث بلغ عدد الوكالات المغلقة 152 وكالة مقابل افتتاح 39 فقط، وفق معطيات رسمية، أي بصافي تراجع بلغ 113 نقطة خدمة. هذه الأرقام أثارت تساؤلات حول الخلفيات الاقتصادية لهذا التوجه: هل يعكس ذلك انكماشًا اقتصاديًا أم أنه يدخل ضمن استراتيجية إعادة الانتشار والتحول الرقمي التي تتبناها الأبناك المغربية؟

التحول الرقمي في صلب الرؤية البنكية الجديدة

بحسب مصادر بنكية، فإن السبب الرئيسي وراء هذا الإغلاق لا يرتبط مباشرة بانكماش اقتصادي أو تراجع النشاط البنكي، بل يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو الرقمنة وتطوير الخدمات البنكية الرقمية. إذ باتت شريحة واسعة من العملاء تعتمد على التطبيقات البنكية وخدمات الإنترنت للقيام بعملياتهم اليومية، من تحويل الأموال إلى تسديد الفواتير وطلب القروض، ما قلّل بشكل كبير من الحاجة إلى زيارة الفروع البنكية التقليدية.

وفي هذا السياق، أكد خبير مصرفي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن “البنوك المغربية لم تعد تقيس حضورها الجغرافي بعدد الوكالات، بل بمدى انتشارها الرقمي وقدرتها على الوصول إلى العملاء في أي وقت ومن أي مكان”.

إعادة الانتشار: كفاءة تشغيلية أكثر.. تكلفة أقل

إلى جانب الرقمنة، تبنت المؤسسات البنكية في المغرب ما يعرف باستراتيجية “إعادة الانتشار”، والتي تقوم على إغلاق الوكالات الأقل مردودية أو الواقعة في مناطق تشهد تغطية رقمية مرتفعة، مقابل تعزيز التواجد في مراكز النمو الاقتصادي أو من خلال حلول مبتكرة مثل الوكالات المتنقلة والخدمات الذاتية.

وتسعى هذه الاستراتيجية إلى خفض التكاليف التشغيلية مع الحفاظ على فعالية الخدمات، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة الأجور والإيجارات في المدن الكبرى.

سياق اقتصادي متغير وسلوك استهلاكي جديد

التغير في السلوك الاستهلاكي للمغاربة ساهم بدوره في تغيير خارطة الخدمات البنكية. فقد أصبح المواطن يفضل الخدمة السريعة والمرنة على القنوات الرقمية، بدل الانتظار في الطوابير الطويلة داخل الوكالات. ويبرز ذلك خصوصًا في صفوف الشباب والطبقة المتوسطة، الذين يفضلون التعامل البنكي الرقمي، تمامًا كما يفضلون التسوق في المتاجر المتوسطة التي تكتسح الأحياء المغربية في السنوات الأخيرة.

تحديات الشمول المالي

رغم إيجابية هذا التحول الرقمي، إلا أن المراقبين يحذرون من ترك مناطق قروية أو فئات اجتماعية خارج هذا المسار، خاصة من لا يتقنون التعامل مع التكنولوجيا أو لا يتوفرون على هواتف ذكية. وفي هذا الصدد، تواجه البنوك المغربية تحديًا حقيقيًا في تحقيق التوازن بين الفعالية الرقمية وضمان الشمول المالي.

 نهاية البنوك التقليدية؟

ليس من المبالغة القول إن القطاع البنكي المغربي يمر بمرحلة انتقالية دقيقة، تُعيد فيها المؤسسات البنكية رسم ملامح وجودها على الأرض. وإذا كان عدد الوكالات في تناقص، فإن الحضور البنكي الرقمي في ارتفاع متواصل. السؤال الأهم لم يعد: كم عدد الوكالات؟ بل: كم عدد المغاربة الذين يحصلون على خدمات مالية عادلة، آمنة، وسهلة الوصول؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى