الجهوية المتقدمة مشروع طموح وتنزيل معطوب

إيمان أوكريش
باختيار المغرب سياسة اللامركزية المتدرجة منذ الميثاق الجماعي سنة 1960، سار في هذا المسار بغرض تحقيق الديموقراطية المحلية بالمملكة.
وأثير النقاش حول الجهوية بدءا من سنة 1984، حينما لفت إليه الملك الراحل الحسن الثاني، ليتبلور هذا المفهوم تدريجيا من خلال مراجعة دستور 1992، الذي عدّ الجهة مؤسسة دستورية على مستوى العمالات والأقاليم والجماعات.
ليكرس الملك محمد السادس مفهوم الجهوية المتقدمة من خلال خطاباته، وعلى رأسها خطاب 2001، ثم الرسالة الملكية الموجهة للوزير الأول سنة 2002، وخطاب 2010 و2012، إذ تم وضع الجهة في قلب استراتيجية التنمية، ليأتي دستور 2011 الذي دشن الجهوية المتقدمة عبر التنصيص عليها والتوسيع من اختصاصاتها والتخفيف من الوصاية المركزية، خاصة بعد تنزيل القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات بتاريخ 7 يوليوز 2015.
أعطاب الجهوية
وبالرغم من رصد 5700 مليار سنتيم خلال الفترة من يناير 2018 إلى متم سنة 2024، إلا أن الجهوية ما زالت تحفها عدة أعطاب، إذ أكدت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، خلال تقديمها للتقرير السنوي لسنتي 2023ـ2024 أن نسبة إنجاز خارطة الطريق الخاصة بالميثاق لم تتعد 36% حتى منتصف أكتوبر 2024، مشيرة إلى أن تفويض الاختصاصات ذات الأولوية المرتبطة بالاستثمار للمصالح اللاممركزة ما زال محدودا، حيث لم تتجاوز النسبة 38% في نفس الفترة.
وشددت على أن تحقيق الأهداف المرجوة، خاصة فيما يتعلق بتمكين الجهات من أداء أدوارها التنموية بكفاءة، يستوجب مراجعة وتكييف الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بمجالات تدخل القطاعات الوزارية المعنية، والتي تشمل 18 مجالا ضمن الاختصاصات الذاتية للجهات، وثلاثة مجالات تندرج ضمن الاختصاصات المشتركة، وذلك لتوضيح أدوار الفاعلين العموميين وتفادي تداخل المهام.
كما دعت العدوي إلى تحديد مهام وتنظيم التمثيليات الإدارية الجهوية المشتركة والقطاعية، التي أقرت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري إحداثها، مع نقل الاختصاصات التقريرية إليها لتعزيز وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي وتحسين التنسيق فيما بينها.
وأشارت إلى أن آلية التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية، ضمن الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية، ما زالت محدودة، لافتة إلى أن الفترة 2020-2022 شهدت توقيع عقود برامج بين الدولة وأربع جهات فقط، حيث شملت الجهة 197 مشروعا تنمويا بكلفة إجمالية بلغت 23.56 مليار درهم، غير أن نسبة المشاريع المكتملة لم تتجاوز 9%، فيما بلغت نسبة المشاريع قيد الإنجاز 80% حتى نهاية أبريل 2024.
تحديات الجهوية
للوقوف عند ما يعترض الجهوية من تحديات، أوضح أحمد متراق، أستاذ وباحث في العلوم السياسية، لـ”إعلام تيفي” أن الخطاب الملكي الموجه لعموم الشعب حول مشروع دستور 2011 كان بمثابة خارطة طريق لتنظيم إداري جديد تتنازل بموجبه السلطة المركزية عن جزء كبير من سلطاتها وصلاحيتها لفائدة الهيئات الجهوية والمحلية.
وأضاف أن هذا هو النهج الذي سار عليه دستور 2011، حيث تم تخصيص باب “تاسع” وما لا يقل عن 12 فصلا من الدستور للجماعات المحلية ممثلة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، التي أضحت هيئات لامركزية تتوفر على آليات وأدوات ووسائل قانونية ومالية لتمكينها من الاضطلاع بالدور المناط بها كمحرك أساسي للتنمية.
وأشار إلى أن الدستور منح صلاحيات واسعة لرؤساء الجهات والمجالس الجماعية المنتخبون من أجل تنفيذ قرارات المجالس التي يسيرونها، كما منحهم هامشا أوسع لاتخاذ القرارات وترتيب الأولويات الخاصة بكل جهة أو جماعة ترابية على حدة.
كما لفت إلى أن الترسانة القانونية تعززت بصدورالميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي جاء ليحدد ويقسم الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللامركزية للدولة.
ونبه الباحث السياسي إلى أنه بالرغم من هذا العمل على مستوى بناء وتجويد الترسانة القانونية إلا أنه ما زالت تعترض عملية تفعيل هذا المشروع الإداري المهم جملة من التحديات والإخفاقات حددتها بالتدقيق الرسالة الملكية السامية، التي بعث بها الملك محمد السادس للمشاركين في أشغال المناظرة الجهوية الثانية بطنجة خلال دجنبر 2024، التي دعا فيها كل المتدخلين المشاركين للخروج بخارطة طريق واضحة المعالم ومتوافق بشأنها تتيح اعتماد توجهات استراتيجية للمرحلة القادمة في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة.
وتابع أن التحدي الأهم اليوم هو تجديد وإعداد نخب سياسية كفؤة وقادرة على فهم واستيعاب المسؤولية الكبيرة المرتبطة بتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، ثم التشخيص الجيد لنقط الضعف على صعيد كل جهة وجماعة ترابية عبر التفاعل المباشر مع الساكنة والإنصات الجيد لهم ولاحتياجاتهم، فضلا عن العمل على إعداد برامج طموحة لمحاربة الفقر والهشاشة والفوارق الاجتماعية خاصة بالمغرب العميق.
وأكد أن هناك تحد آخر يقع على عاتق الدولة من خلال مؤسساتها المركزية، والتي عليها أن تنتقل للسرعة القصوى في تفويت الصلاحيات والسلط للهيئات المنتخبة جهويا وترابيا، وأن يتم اعتماد المقترحات والتوصيات الجهوية في برامج إعداد السياسات العمومية للدولة وفق حاجيات كل جهة على حدة.
وشدد متراق على أن “الوتيرة التي يسير بها المغرب في مسار تنزيل الجهوية المتقدمة بطيئة جدا ولا تتناسب مع الأوراش التنموية والثورة الحضارية الكبرى التي تشهدها بلادنا”.