الدين بين الحماس المؤقت والعبادة الدائمة

فاطمة الزهراء ايت ناصر
يلاحظ في شهر رمضان إقبالٌ كبير على العبادة، حيث تزدحم المساجد بالمصلين، وتكثر تلاوة القرآن، وتنتشر أجواء الذكر والتقوى، لكن سرعان ما يتراجع هذا الحماس الديني بعد انتهاء الشهر الفضيل، فينقطع الكثيرون عن هذه العبادات أو يقلّلون منها بشكل ملحوظ.
وتعكس هذه الظاهرة فهماً غير متوازن للدين، حيث يتم ربط العبادة بموسم معين بدل أن تكون سلوكًا مستمرًا في حياة المسلم.
العبادة بين المواسم والاستمرارية
أكد الدكتور إدريس الخرشافي، أستاذ الحديث النبوي والسيرة النبوية بجامعتي القرويين وسيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن ظاهرة الإقبال الكبير على المساجد وقراءة القرآن خلال شهر رمضان، ثم الانقطاع عن ذلك بعد انتهائه، ليست ظاهرة جديدة، بل تتكرر كل عام.
وأوضح ل”إعلام تيفي” أن هذه الظاهرة تعكس سوء فهم الدين لدى البعض، حيث يربطون العبادة بفترة زمنية محددة، متناسين أن العلاقة مع الله يجب أن تكون دائمة ومستمرة طوال الحياة.
وذكر الدكتور قوله تعالى في كتابه الكريم: “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ”(سورة الحجر)، مما يدل على أن العبادة لا تقتصر على وقت أو مكان معين، بل هي مبدأ مستمر مدى الحياة. كشف الدكتور الخرشافي أن الكثيرين يفتقرون إلى هذا الفهم العميق، حيث ينظرون إلى العبادة كممارسة موسمية مرتبطة بشهر رمضان أو بيوم الجمعة، بينما في الحقيقة، العبادة ينبغي أن تكون نمط حياة يومي، يعكس ارتباط الإنسان الدائم بربه.
وأوضح أن تخصيص مواسم معينة للعبادة مثل رمضان، وشوال، وذي الحجة، وشعبان هو فضل من الله، لكنها لا تعني أن العبادة تتوقف بانتهاء هذه الفترات. بل على العكس، ينبغي أن تكون هذه المواسم دافعًا لتعزيز العلاقة الروحية واستمرارها بعد ذلك. فالغاية من العبادات ليست فقط أداؤها خلال فترة محددة، وإنما التأثر بها وجعلها جزءًا من الحياة اليومية.
أنماط التديّن في المغرب.. بين الموروث الديني والتأثيرات الوافدة
بخصوص الإقبال الكبير على المساجد في رمضان، أكد الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، عبد الرحيم عنبي، أن الأمر لا يتعلق فقط بالدافع الديني، بل هو أيضًا نتيجة تمثلات شعبية حول “قدسية رمضان”، حيث يتم إضفاء طابع شخصي على الشهر الكريم من خلال تسميته بـ”سيدنا رمضان”، مما يرسخ شعورًا روحانيًا قوياً يدفع الناس إلى التقرّب من الدين خلال هذه الفترة. مشيرا إلى أن العاطفة الدينية في رمضان تطغى على التفكير العقلاني، مما يفسّر الحماس الزائد للعبادة خلال الشهر الفضيل.
وأوضح ل”إعلام تيفي” أن المسجد في رمضان يتحوّل إلى فضاء اجتماعي، حيث يجتمع الناس لأداء الصلاة ثم يخرجون للتجول أو الجلوس في المقاهي، ما يعكس دور المسجد كمكان للقاء الاجتماعي، وليس فقط كفضاء للعبادة. كما أن هناك بُعدًا سياسيًا في الأمر، حيث تستغل بعض الحركات السياسية هذه الأجواء لتعبئة الأتباع والتأثير عليهم دينيًا وسياسيًا.
وأكد أن النظرة إلى المسجد في المغرب تتغير مع الزمن، حيث لم يعد مقتصرًا على دوره التقليدي، بل أصبح يتأثر بأنماط التديّن العابر للحدود، مما يطرح تحديات حول الهوية الدينية المغربية وأصالتها.
وأوضح الأستاذ، أن السلوك الديني للمغاربة يخضع لعدة مستويات تاريخية وثقافية، ويتميز بتنوع أنماط التديّن. كشف عنبي أن هناك أربعة أنماط رئيسية للتديّن في المغرب، وهي: التديّن العالم، التديّن الشعبي، التديّن السياسي، والتديّن الوافد.
وأكد الباحث أن التديّن في العالم كان تاريخياً يتمثل في العلماء المتخصصين في العلوم الشرعية والمقاصدية، الذين تخرّجوا من المؤسسات الدينية العريقة مثل جامعة القرويين والمدارس العتيقة، وكان لهذا النمط دور في تأطير الحياة الدينية وفق المذهب المالكي. أما التديّن الشعبي، فهو مزيج من الممارسات الدينية التي تتداخل مع الموروث الثقافي والأسطوري، حيث يعمد الناس إلى إعطاء صبغة دينية لبعض الطقوس والتقاليد التي قد لا تكون من صلب الدين.
وأوضح أن التديّن السياسي ظهر نتيجة تفاعل الحركات الإسلامية مع الدين كأداة للتعبئة السياسية، وهو نمط يعتمد على تفسير خاص للسلوك الديني يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. أما التديّن الوافد، فقد أصبح أكثر انتشاراً في العصر الحديث بفضل الثورة الرقمية، حيث يتأثر المغاربة بممارسات دينية قادمة من دول مثل أفغانستان وباكستان، مما أدى إلى تبني بعض السلوكيات غير المتأصلة في الهوية الفقهية المغربية.