الرؤية الملكية لمحمد السادس تشق طريقها نحو ازدهار القارة الإفريقية
منير عطوشي
في ظل ما يشهده العالم من صراعات اختلت بموجبها موازين القوى، وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتسارعة والمتوالية، والتي أثرت بشكل قوي على شعوب العالم وزادت الهوة بين القارات اتساعا.
وفي ظل كل ما سبق ذكره، وكل التحولات الجيوسياسية والماكرواقتصادية، ظلت القارة السمراء صامدة ، علما أن الحروب الطائفية التي مزقت دولها قلت، وأزمات العيش والغذاء اشتدت، غير أن ما نلحظه رغم كل هذا هو أن أغلب الدول الإفريقية، دخلت مرحلة الاستقرار، إلى حد تكالب الأطماع الدولية عليها، مثل الصين واليابان والمد الروسي.
ودخلت مسار البحث عن الحداثة والديمقراطية ، وكل هذا يأتي نتيجة للأمن الروحي الذي أصبح المواطن الإفريقي يصبو إليه ويبحث في قسماته عن السلم، فلا ديمقراطية ولا استثمار بدون العيش في تسامح واحترام الذات الإنسانية.
ومرجع كل هذا يعود للرؤية الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي أبى إلا أن ينشر قيم الوسطية والإعتدال، وجعل المملكة المغربية منارة إشعاع للجنوح للسلم والحوار العقدي المعتدل الذي يخاطب العقول والنفوس، من خلال إحداث “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” التي تشرف أمير المؤمنين الملك محمد السادس بالإعلان عنها في 13 يوليو 2015، والتي تنفرد بالتعاون بين علماء المغرب وعلماءباقي الدول الأفريقية ، وتساهم في الارتقاء بكل أشكال الحوار ونبذ العنف والتطرف اللذان انبثقا عن التهميش وعدم الاهتمام بالدعم السياسي والاقتصادي والفكري من طرف القطب الغربي.
كما سمحت العناية التي يوليها جلالته لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات من اندماج الطلبة والباحثين الأفارقة في التكوين المستمر للقيام بمهمة تبليغ أحكام الشريعة الإسلامية وبيان مقاصدها وإبراز سماحتها ووسطيتها، من خلال تكوينهم وتأهيل القيميين الدينيين الأفارقة الذين شكلوا الأرضية والسرير الدافئ لامتداد المملكة المغربية في إفريقيا سياسيا واقتصاديا لاغية بذلك الحدود الجغرافية للدول الإفريقية وفق شراكات متميزة ومتينة.
وهذا ليس غريبا أو جديد على إمارة المؤمنين بالمغرب التي أعادت المسار التاريخي نحو القيم الأساسية التي تربط الشعوب فيما بينها. فهناك دولتين في العالم الإسلامي انتشر منهما الإسلام هما اليمن و المغرب، فاليمن انتشر منها الإسلام إلى آسيا ودولة المغرب انتشر منها الإسلام إلى أوروبا، فأكثر من 99 في المائة من اللذين دخلوا للإسلام لم يدخلوا بالعنف والإرغام ولكن دخلوا لآداب الإسلام، ولأخلاق الإسلام، ولحسن تعامل المغاربة معهم، حيث نرى أن الرؤية المغربية تتفاعل مع الواقع ليلائم الخطاب الديني مع الفعل السياسي، فالخطاب الديني إجمالا جاء لحفظ النفس وحفظ العرض والعقل ولحفظ الأوطان، ومن تم كان التوجه المغربي نحو الحيلولة دون توسع الحركات التنظيمية الإرهابية والمتطرفة في دول الساحل، فأصبحت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تلعب دورا إشعاعيا في تنمية الفكر ليتجاوز البؤرة الضيقة في النظرة للإسلام ، بل ساعد الخطاب الديني والتوجه جنوب جنوب إلى نشر السلام ليشمل العلاقات بين الدول الأفريقية.