الرباح: تعديلات مقترحات مدونة الأسرة مجرد “بدائل سطحية” ولا تلبي مطالب النساء
إيمان أوكريش: صحافية متدربة
أوضحت خديجة الرباح، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تصريح خصت به “إعلام تيفي”، أن المقترحات المقدمة من الحكومة بشأن مراجعة مدونة الأسرة تثير العديد من الأسئلة الجوهرية حول الشكل والمضمون.
وقالت الرباح: “عندما تم تقديم هذه المقترحات، لم يكن لدينا صوت واحد يعبر عن الحكومة باعتبارها المسؤولة عن المبادرة التشريعية، بل كان لدينا صوتا وزيرين مختلفين، وهو ما يضفي على العملية غموضًا كبيرًا”.
وأضافت أن هذا التعدد في الأصوات عكس غيابًا للتوجه السياسي الواضح بشأن الإصلاح، مما جعل المقترحات تفتقر إلى رؤية موحدة.
وأكدت الرباح أن المقترحات المطروحة لا تعكس في جوهرها مطالب الحركة النسائية التي كانت واضحة منذ البداية، وهي الدعوة إلى مراجعة شاملة لمدونة الأسرة بناءً على مبدأ المساواة والعدالة بين الزوجين، مع التأكيد على مصلحة الأطفال.
وتابعت “نحن لا نريد اقتراحات مشوشة أو توجهات معينة لجهة محافظة أو جهة أخرى. نحن نريد نصًا قانونيًا يعكس المساواة والكرامة والعدالة في جميع الحالات”.
وبخصوص المنهجية المعتمدة في صياغة التعديلات، أبرزت الرباح أن المقترحات تظهر عدم الانسجام، وعدم وجود رؤية شمولية حول كيفية تجاوز التحديات التي تواجه النساء في المجتمع. مشيرة إلى أن “المقترحات المطروحة لا تعكس تطور المجتمع المغربي ولا تلبي احتياجات النساء في العصر الحالي، فهي مجرد تعديلات سطحية كان من المفترض إجراؤها منذ 20 عامًا”.
وفي سياق متصل، انتقدت الطريقة التي تم بها طرح المقترحات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، معتبرة أن هذا فتح المجال لانتشار مواقف غير متناسقة.
وبينت أن هناك من يروج لتوجهات رجعية وماضوية، مشيرة إلى أن هذه القراءات تحاول استخدام “الدفاع عن الأمن والسلام والإسلام” ذريعةً لمعارضة أي تقدم نحو المساواة.
وأكدت رئيسة الجمعية أن المطالب التي ترفعها الحركة النسائية ليست جديدة، بل هي نتاج تراكم طويل من الجهود التي بدأت منذ إصلاح 2004، مبرزة أن المطالبة بالمساواة والعدل كانت دائمًا هي الهدف الأساسي.
وقالت: إن“ما تم تقديمه لا يعالج السؤال الأساسي: هل هناك إصلاح للنص التشريعي لمدونة الأسرة؟ وما الغاية من الإصلاح؟”
وختمت الرباح تصريحها برفضها للمقترحات الجديدة، لأنها تتماشى ومنطق التوافق المحافظ، وليس لمنطق الاستجابة لمطالب الحركة النسائية، وبالتالي فالمقترحات الجديدة تنتصر للوضع الراهني، بدلا من الانتصار للدعوة الملكية، التي تنبه إلى البحث في الإشكالات الفقهية وتعميق الاجتهاد ليتناسب مع متطلبات العصر.
وفي هذا السياق، أصدرت الجمعية بيانا، يوم أمس الثلاثاء 07 يناير، حيث أقرت فيه أنه في الوقت الذي كان من المفترض أن يركز مشروع تعديل مدونة الأسرة على معالجة قضايا تهم ملايين النساء والفتيات داخل المجتمع، بدت التعديلات المقترحة غير متناسقة، ويفتقد بعضها للانسجام مع الحاجيات الفعلية للمجتمع، مما أثار قلق الجمعيات النسائية وحقوق الإنسان حول تأثير هذه التعديلات على وضعية النساء.
وانتقدت الجمعية بشدة أسلوب التواصل، مؤكدة أنه أدى إلى إشاعة تفسيرات سطحية وغير متناسقة للمشروع، مما دفع البعض إلى تأويلات مغرضة أو تفسيرات خاطئة عن جهل.
وأوضحت الجمعية أن غياب الوضوح في تقديم المشروع لم يكن مجرد تقصير في التواصل، بل كان أيضًا عدم معالجة السؤال المركزي في أي مشروع إصلاح: “ما الغاية من الإصلاح؟” كما غابت عن المقترحات المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة بين الجنسين التي ينص عليها الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية.
وتابعت الجمعية أن المقترحات التي تم تقديمها تمحورت حول “بدائل” لمشكلات معينة، مثل استخدام الهبة لتوزيع التركة بين الأبناء والبنات، وهو ما اعتبرته الجمعية غير كافٍ وغير عادل. وأشارت إلى أن هذا الحل لا يعالج بشكل جذري قضايا معقدة مثل التعصيب أو منع التوارث بين أفراد الأسرة المكونة من زوجين من ديانتين مختلفتين.
كما انتقدت الجمعية اقتراح السماح بتعدد الزوجات في حالات استثنائية، وهو ما اعتبرته مجحفًا في حق المرأة، مع طرح السؤال حول مدى قدرة القاضي على تقييم قدرة الزوجة على أداء واجباتها الزوجية.
من جهة أخرى، تساءلت الجمعية عن رفض المجلس العلمي الأعلى لاعتماد الخبرة الجينية كدليل على النسب، معتبرة أن هذا الموقف يتعارض مع الفصل 32 من الدستور ومع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب، محذرة من أن استمرار هذا التوجه سيعني استمرار التمييز ضد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
وأبرزت الجمعية في بيانها أن البدائل المقدمة في المشروع لا تعدو كونها حلولًا سطحية، ولا توفر إجابات حقيقية للمشاكل التي تواجهها النساء في المجتمع. كما اعتبرت أن هذه التعديلات لا تعكس رغبة حقيقية في معالجة أوجه عدم المساواة الهيكلية، بل تواصل المحافظة على الوضع الراهن.
وأضافت الجمعية أن هذه المراجعة لم تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي، والتي تتطلب قانونًا أسريًا يتماشى مع واقع الأسر المغربية وتحدياتها.
وفي ختام بيانها، أكدت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن المراجعة المقترحة لا تمثل تطورًا حقيقيًا في التشريع الأسري، بل هي مجرد تعديلات بسيطة لا ترقى إلى مستوى التحديات المعاصرة.
ودعت الجمعية إلى ضرورة الاستجابة للدعوة الملكية التي طالب فيها المجلس العلمي الأعلى “بتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية”، داعية إلى التفكير الجاد في تجديد التشريع الأسري بما يتماشى مع متطلبات العصر ويضمن المساواة بين النساء والرجال.