الرباط والمنصة الذكية.. هل الاستثمار الضخم كافٍ لمواجهة التحديات السيبرانية ؟
إطلاق صفقة ضخمة لإنشاء منصة المدينة الذكية بالرباط بأزيد من 7 ملايير

ل.شفيق-اعلام تيفي
أعلنت عمالة الرباط عن صفقة ضخمة بقيمة تفوق 72 مليون درهم لإنشاء منصة المدينة الذكية، في إطار توجه طموح لتحويل العاصمة إلى مركز حضري رقمي متكامل، يعتمد على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليل البيانات الكبرى. لكن، وفي ظل هذا التوجه الرقمي المتسارع، تبرز تساؤلات جوهرية: هل هذا المشروع مؤهل فعلًا لرفع التحديات الرقمية والأمنية الراهنة؟ وهل المنصة المقترحة تتجاوز الطموح النظري إلى حلول واقعية قابلة للتنزيل الفعلي؟
📌 الاستثمار في “الذكاء” الرقمي.. خطوة متأخرة أم مدروسة؟
الرقم المُعلن، وهو أزيد من 72 مليون درهم، يعكس بلا شك إرادة سياسية لتجاوز النماذج التقليدية في تدبير المدن، والانتقال إلى “الحوكمة الذكية”. لكن رغم أهمية الخطوة، يُسجّل المتتبعون أن المغرب لم يُنجز بعد تقييمًا شاملًا لتجارب رقمية مماثلة في مدن أخرى كطنجة أو الدار البيضاء، وهو ما يطرح إشكاليات تتعلق بتكرار النماذج بدل تحديثها.
كما أن طبيعة الصفقة، القائمة على عروض دولية مفتوحة، تجعلنا نتساءل: هل تم إعداد دفتر التحملات وفق خصوصيات السياق المغربي؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استيرادًا لمنصة جاهزة قد لا تستجيب بالضرورة لحاجيات المواطن المحلي؟
🔐 الأمن السيبراني.. الحلقة الأضعف في الطموح الذكي؟
المشروع، في جوهره، يعتمد على دمج بيانات حساسة وآنية متعلقة بحركة المرور، الكاميرات، الموارد، الإنارة، الطوارئ وغيرها. ومع ازدياد الهجمات السيبرانية عالميًا ووطنيًا، يجد المغرب نفسه أمام سؤال الأمن الرقمي أكثر من أي وقت مضى.
المملكة تعرضت في السنوات الأخيرة لهجمات سيبرانية معقدة استهدفت مؤسسات حيوية. فهل توفر الصفقة المعلن عنها مقاربة استباقية متكاملة لحماية المنصة من الاختراق أو التجسس؟ وهل هناك ضمانات بأن البيانات المرتبطة بالمواطنين والعمليات الحضرية لن تُستغل خارج الأطر القانونية؟
📊 من الرقمنة إلى الرقابة.. هل ستُستخدم المنصة لخدمة المواطن أم لمراقبته؟
واحدة من أبرز التخوفات التي يثيرها المجتمع المدني، هي تحول التكنولوجيا من وسيلة خدمة إلى أداة مراقبة. المنصة المزمع إنشاؤها ترتكز على تجميع كم هائل من البيانات، بما فيها الصور، المواقع الجغرافية، السلوكيات الحضرية، وغيرها.
وعليه، يجب طرح السؤال بصراحة: ما هي حدود استعمال هذه المعطيات؟ ومن الجهة المخولة قانونيًا للإشراف على حوكمتها؟ وهل تم إشراك المواطنين في هذا التحول الذي يعنيهم مباشرة؟
🤖 توطين التكنولوجيا أم تكريس التبعية الرقمية؟
الوثائق المعلنة تُشير إلى أن تنفيذ المنصة سيتم بواسطة شركة دولية مالكة للبرمجيات، بما في ذلك تعبئة مهندسين تابعين لها. هنا يُطرح سؤال الاستقلالية الرقمية:
هل المغرب بصدد خلق منظومة رقمية محلية قابلة للتطوير داخليًا؟ أم أنه يعزز فقط تبعيته التكنولوجية للخارج؟
ما الجدوى من بناء منصة ضخمة لا يملك المغرب مفاتيحها التقنية، ولا قدرة على صيانتها وتطويرها دون الرجوع للشركة الأم؟ وماذا بعد انتهاء العقد أو في حال نشوب توتر سياسي أو قانوني مع المزود الأجنبي؟
🧩 واقع الخدمات الحضرية.. هل يمكن أن تداويه “منصة ذكية”؟
الطموح الرقمي شيء، وواقع التدبير الميداني شيء آخر. أنظمة الإنارة، جمع النفايات، إدارة المرور ومواقف السيارات تعاني اليوم من إكراهات بنيوية ولوجستيكية. فهل ستنجح المنصة في سد فجوات التنسيق وسوء التدبير، أم ستزيد تعقيد المشهد بواجهة رقمية تخفي اختلالات قائمة؟
ما مدى جاهزية الكوادر التقنية، الجماعات المحلية، والمواطنين للتفاعل مع نظام متكامل؟ وهل ستتحول المنصة إلى “واجهة ذكية فوق جهاز إداري تقليدي” غير مؤهل للتفاعل معها؟
🧭 الخلاصة: بين الحلم الرقمي والواقع الترابي
الرباط على أبواب تحول حضري رقمي قد يشكّل سابقة وطنية، لكن نجاحه لن يُقاس فقط بالاستثمار المالي أو استيراد التكنولوجيا، بل بمدى ملاءمة هذه الأخيرة للمواطن، للسياق، وللخصوصيات الترابية.
المطلوب اليوم ليس فقط “منصة ذكية”، بل تفكير ذكي في التخطيط، التقييم، الرقابة، وإشراك المواطنين. فالتكنولوجيا لا تحل المشاكل وحدها، بل تضخمها أحيانًا إذا لم يتم ضبطها بوعي سياسي ومجتمعي.