السرار لـ إعلام تيفي: الأحزاب المغربية عاجزة عن إنتاج خطاب سياسي حداثي

نجوى القاسمي
رغم التحولات العميقة التي شهدها المغرب على المستويات السياسية والاجتماعية، لا تزال الأحزاب المغربية عاجزة عن إنتاج خطاب سياسي حداثي يواكب متغيرات العصر وتطلعات المواطنين.
ويبدو أن المشهد الحزبي يعيش اليوم على إيقاع خطابات انفعالية متجاوزة، تعيد إنتاج نفس أساليب المواجهة العقيمة التي ميزت تسعينيات القرن الماضي، من دون تقديم بدائل واقعية أو تصورات واضحة لتدبير الشأن العام. وفي هذا السياق، يطفو حزب العدالة والتنمية على السطح كحالة خاصة من العجز السياسي والتخبط التنظيمي، في ظل استمرار تداعيات الانتكاسة الانتخابية لعام 2021.
في هذا الصدد، يرى عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة، أن حدة الخطاب السياسي بين التنظيمات الحزبية المغربية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى فترة حكومة التناوب في تسعينيات القرن الماضي، حيث ظهرت حينها مصطلحات مثل جيوب المقاومة وأعداء الديمقراطية إلا أن السرار يلاحظ أن المفاهيم المستعملة اليوم أصبحت أكثر حدة وعدوانية، في ظل غياب لغة العقل والحوار البناء.
ويؤكد السرار في تصريحه لموقع اعلام تيفي “، أن الخطاب السياسي الراهن يشهد تصاعدا ملحوظا في التدافع والصراع بين الفاعلين الحزبيين، حتى أصبح الحقل الحزبي أشبه بمسرح صراعات عبثية، تغلب عليها النبرة الشعبوية. ومن أبرز تجليات ذلك، حسب قوله، تبني حزب العدالة والتنمية لخطاب وجداني انفعالي موجه لاستدرار العاطفة الشعبية، خصوصا في مواجهته المستمرة مع حزب التجمع الوطني للأحرار.
ويضيف المتحدث أن هذا النمط من الخطاب بدأ يتبلور بوضوح منذ فترة التحضير لانتخابات 25 نونبر 2011، التي فاز بها “البيجيدي”، موضحا أن الأزمة التي يعيشها الخطاب السياسي المغربي لا تقتصر على المعارضة فقط، بل تشمل أيضا مكونات الأغلبية. ويعود السبب، حسب السرار، إلى عجز النخب الحزبية عن إنتاج خطاب سياسي عقلاني، في ظل ما وصفه بـ”الموت البطيء” للحركة الوطنية، كما أشار إليه الباحث الفرنسي كلود بلازولي.
وفي السياق نفسه، ينتقد السرار اعتماد معظم الأحزاب على أساليب تبادل الاتهامات والتشكيك في القدرات التدبيرية، ما يزيد من ارتباك المواطن ويفاقم أزمة الثقة في المشهد السياسي، في وقت تفتقر فيه هذه التنظيمات إلى خطابات تفسيرية توضح رؤيتها للسياسات العمومية والبرامج المستقبلية.
أما فيما يخص حزب العدالة والتنمية، فيرى السرار أن انتخاب عبد الإله بنكيران مجددا أمينا عاما في مؤتمره الوطني نهاية أبريل 2025، أعاد الحزب إلى خطاب قديم متجاوز، لم يعد يلامس مشاعر الناخبين بنفس الزخم الذي ميز فترة ما قبل 2021. فرغم محاولته استحضار قضايا تحظى بإجماع وطني، كالدفاع عن القضية الفلسطينية، فإن السياقات السياسية والاجتماعية قد تغيرت، ولم تعد تتجاوب مع هذا النوع من الخطابات العاطفية.
ويؤكد السرار أن البيجيدي لا يزال تحت صدمة النكسة الانتخابية لسنة 2021، التي لم تؤثر فقط على شعبيته، بل تسببت أيضاً في تفكك بيته الداخلي، مع انسحاب قيادات بارزة مثل مصطفى الرميد وعبد القادر أعمارة ولحسن الداودي. كما أن توقيع سعد الدين العثماني على الاتفاق مع الوفد الإسرائيلي في دجنبر 2020، رغم صفته الحكومية، ألقى بظلال سلبية على صورة الحزب.
ويشير السرار إلى أن إعادة انتخاب بنكيران كانت محاولة لإخراج الحزب من حالة الركود، لكن الحديث عن عودة قوية خلال انتخابات 2026 يبقى سابقاً لأوانه، في ظل غياب وضوح سياسي وبرنامج انتخابي متماسك.
وعلى النقيض من ذلك، يرى السرار أن حزب التجمع الوطني للأحرار يراكم نقاط القوة عبر التركيز على إنجازات الحكومة في الميدانين الاجتماعي والاقتصادي، مع تجنبه الدخول في السجالات العقيمة التي يسعى بنكيران إلى إذكائها. وقد برز هذا التفوق في نتائج الانتخابات الجزئية، سواء في دائرة الرباط المحيط أو الفقيه بن صالح في شتنبر 2024، وأيضا في الانتخابات الجماعية الجزئية بأقاليم تيزنيت وجهة فاس مكناس في أبريل 2025.
واستدل السرار بخطاب رئيس الحكومة عزيز أخنوش في مدينة الداخلة يوم 3 ماي 2025، حين شدد على أن ما تحقق في أربع سنوات من ولايته يفوق ما أنجزته حكومات سابقة طيلة فترة كاملة، في محاولة لتعزيز موقع الأحرار كقوة سياسية مهيمنة.
وختم السرار تصريحه بالتأكيد على أن الأحزاب المغربية مطالبة اليوم بتغيير جذري في منهجية التواصل، والقطع مع الخطاب الشعبوي التقليدي، من أجل إنتاج خطاب سياسي عقلاني وواقعي ينسجم مع تحديات المرحلة وانتظارات المواطنين.