السردين.. سمك الفقراء الذي أفزعته نيران الغلاء

فاطمة الزهراء ايت ناصر 

كان السردين دائمًا سمك الفقراء، هدية البحر التي لا تحتاج إلى وساطة، طعامًا للكادحين الذين لا يسألون عن أصله ولا عن سلالته، يكفي أنه قادم من أعماق الموج ليُسكِت الجوع بأقل الأثمان.

في كل بيت مغربي، كان للسردين حضور دائم، لا يخذل الأمهات في تدبير موائدهن، ولا يثقل كاهل الآباء في حساب مصاريفهم.

لكن البحر، رغم كرمه، لم يعد قادرًا على إغاثة الفقراء. السردين، الذي كان يومًا خبز البحر، صار طعامًا لمن استطاع إليه سبيلًا.

صعدت أسعاره كما لو أنه سلعة نادرة، وبدل أن يُرمى فائضه في الموانئ كما كان يحدث في أيام الوفرة، صار يُباع بأثمان تصاعدت حتى تجاوزت الثلاثين درهمًا للكيلوغرام.

أما باقي الأسماك، فكانت منذ زمن خارج حسابات البسطاء، تُعرض ببريقها الفضي والأحمر في الأسواق، لكنها تبقى بعيدة عن الأيدي التي لا تملك سوى النظر.

ورغم أن المغرب بلد يحرسه البحر من جهتين، ورغم امتداد شواطئه على آلاف الكيلومترات، فإن أبناءه لا يأكلون من خيره إلا القليل. فالسمك الذي كان يُفترض أن يكون زادًا يوميًا للمغاربة، صار يُشحن بعيدًا، ويباع لمن يدفع أكثر، بينما يتقلب المواطن بين أسعار تلتهم جيبه بلا رحمة.

إنه لأمرٌ محزن أن يكون البحر قريبًا، لكن خيراته بعيدة، أن تكون الأسواق عامرة بكل أنواع السمك، لكن الأيدي التي تمتد لشرائه تعود خائبة، وكأن المغاربة محكوم عليهم أن يرو النعمة ولا يذوقوها.

في زمن الغلاء، خرج شاب مراكشي، المدينة البعيدة عن البحر، ليعيد الأمور إلى نصابها. قرر أن يبيع السردين بخمسة دراهم فقط، متحديًا جشع المضاربين ومواجهة منظومة الاحتكار التي رفعت أسعار البحر إلى عنان السماء.

كان صوته أشبه بصرخة في سوق يعج بالوسطاء، وكأنما أراد أن يقول : “ثمن السردين في الجملة لا يتجاوز ثلاثة دراهم”، فلماذا يصل إلى المواطن مضاعفًا عشر مرات؟ وكأنما أراد أن يقول: “البحر ليس ملكًا لأحد، وخيراته يجب أن تصل للجميع”. لم يكن يبيع سمكا فقط، بل كان يبيع أملا بأن هناك من لا يزال قادرا على تحدي الطوفان.

لكن الحقيقة التي كشفها هذا الشاب لم تكن مجهولة، فقد أكدها مجلس المنافسة، حين كشف أن الوسطاء يلتهمون 50% من الأرباح، وأن سعر السلع يتضاعف بمجرد مروره عبر قنوات المضاربة.

الأسعار تواصل ارتفاعها، والقدرة الشرائية تنهار، والمغاربة يترقبون رمضان بقلق لا بفرح. ففي شهر يفترض أن يكون شهر الرحمة والتضامن، تصبح الموائد ساحة للمعاناة، والأسواق مسرحًا للغلاء الفاحش.

وإن كان السردين قد خرج من متناول البسطاء، فماذا عن باقي المواد الأساسية التي تزداد التهابًا خاصة مع الشهر الفضيل؟ وحدها الأيام القادمة ستكشف إن كانت التدخلات ستكبح هذا الجنون، أم أن المغاربة سيتركون مرة أخرى في مواجهة قدرهم، وجيوبهم الفارغة أمام أسعار لا ترحم.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى