السياحة الداخلية هل هي ضرورة أم كمالية لدى الأسر المغربية ؟ خبراء يجيبون
خديجة بنيس: صحافية متدربة
يشهد المجتمع المغربي تغيرات عميقة في عاداته وقيمه، ما يعكس انتقالاً من الرغبة البسيطة في الرفاهية إلى حاجات اجتماعية ونفسية أعمق. من بين هذه التحولات، يبرز اهتمام متزايد بالسياحة الداخلية، حيث يُعَد السفر داخل البلاد فرصة للاسترخاء، استكشاف الثقافات المحلية، ودعم الاقتصاد المحلي، وهو ما يعكس تغييراً إيجابياً في أولويات المجتمع وتفضيلاته الاجتماعية بشكل عام.
السياحة حاجة اجتماعية ونفسية
على الرغم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغاربة هناك إقبال الأسر المغربية على السياحة الداخلية، فقد أرجع سعد الدين إكمان أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس، هذا الإقبال إلى تغير في عادات المجتمع المغربي، تغير يتجاوز الرفاهية نحو حاجة اجتماعية وحاجة نفسية، وأيضا نحو تغير في الأولويات والقيم الاجتماعية بصفة عامة.
وأوضح الأستاذ إكمان في تصريح خص به موقع “إعلام تيفي” أن هذا الإقبال الكبير خلال السنوات الأخيرة على السياحة الداخلية يعكس تغيرات واضحة في عادات المجتمع المغربي نحو الرفاهية، حيث أصبحت السياحة نشاط ضروري في ثقافة الأسر المغربية، نظرا لارتفاع مستوى التعليم والوعي بأهمية الترفيه والاسترخاء، مشيرا أنها تأتي في المرتبة الثالثة بعد الأكل والشرب وتعليم الأبناء.
يضيف المتحدث في تصريح لموقع “إعلام تيفي” أن الضغط الاجتماعي وضغط العمل جعل الأسرة تخصص جزء من دخلها ووقتها للسفر والتنزه، حيث إن الرغبة الملحة في الاستمتاع مع العائلة خلال أوقات الفراغ، يحفز هذه الأسر على مجابهة التحديات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع الأسعار عن طريق البحث عن خيارات أقل تكلفة مثل زيارة المنتزهات العامة أو زيارة الأقارب في مناطق أخرى خاصة السياحية.
وبالتالي فإن السياحة الداخلية أصبحت أمرا مقدسا بالنسبة للبعض، يشبه الاحتفال بالأعياد مما يدفع الكثير من الأسر إلى اللجوء إلى القروض البنكية لتمويل نفقات السفر وفق إكمان، مضيفا أن هذا يدل على الحاجة الملحة لهذه العادة من أجل الاسترخاء وإعادة شحن الطاقة.
عوامل مشجعة
هناك مجموعة العوامل جعلت السياحة الداخلية أكثر جذبا وملاءمة لبعض الأسر المغربية في هذا الصدد أبرز المتحدث في معرض حديث أن تشبع المجتمع بقيم الليبرالية، ساهمت بشكل كبير في جعل السفر والتنزه على قائمة أولويات الأسرة المغربية بعد الأكل والشرب وتعليم الأبناء وهذه الأخيرة يوضح إكمان أنها تخصص لها الأسر حصة الأسد من ميزانيتها.
وأضاف أن انتشار مؤسسات اجتماعية تشجع الأسر المغربية على السفر، من خلال برامج التخييم والإقامة بأسعار تفضيلية التي تقدمها للموظفين واسرهم، مما يجعل الوصول إلى مختلف الأنشطة السياحية متاحا.
ويعتبر المتحدث أن سهولة الولوج إلى القروض، بالإضافة إلى انتشار السكن الاقتصادي في المدن السياحية خاصة الساحلية، ساهمت في تمكين العديد من الأسر من الحصول على سكن ثانوي، يُستخدم هذا السكن لأغراض الاستجمام وأيضًا كاستثمار عبر تأجيره، مما يسهم في الاستفادة من مداخيله خلال الفترات التي لا يكون فيها مستغلاً.
ويضيف أن هناك تطور إيجابي في سلوك المستهلك المغربي، الذي أصبح أكثر وعيًا وتقييمًا للخيارات المتاحة، مما يعزز من قدرته على اتخاذ القرارات الاستهلاكية المدروسة.
وبالتالي هذا التحول في عقلية المستهلك المغربي وفق سعد الدين إكمان يعكس تطورًا في طريقة التفكير والتخطيط في السفر والترفيه، الأسر أصبحت أكثر عقلانية وتعتمد على التخطيط الجيد لتحقيق أفضل قيمة مقابل المال المستثمر في الرحلات السياحية.
وسجل المتحدث أنه رغم ارتفاع الأسعار في المدن السياحية المغربية خلال فترات الذروة، يقوم الكثير من الأسر بمقارنة العروض السياحية المحلية بالعروض الخارجية، خاصة إلى مدن أوروبية حيث قد تكون التكاليف أقل أو متساوية. هذا التحول يعكس انتقالًا نحو تقييم دقيق للخيارات المتاحة، بالنظر إلى جودة الخدمات المقدمة وتكاليفها.
تظهر هذه العقلية التحول في أولويات المستهلك المغربي، الذي أصبح يفضل الاختيار الذكي بين العروض المحلية والدولية، بناءً على المقارنة الواعية بين التكاليف والجودة. هذا التحول يشير إلى نضوج في التفكير الاستهلاكي ورغبة في الاستفادة القصوى من الإنفاق في مجالات الترفيه والسفر، وفق المتحدث
الاستمتاع بأقل تكلفة
الإقبال المتزايد على الرفاهية والترفيه في المجتمع المغربي يعكس تحولًا واضحًا في العادات والأولويات الاجتماعية، مع ارتفاع مستوى التعليم والوعي، أصبح الترفيه والاسترخاء أمورًا ضرورية في حياة الأفراد والأسر. إلى جانب ذلك، يشهد العديد من الأفراد ضغوطًا اجتماعية نتيجة لضغط العمل وحاجة الأسر وأبنائها للتوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية.
رغم التحديات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع الأسعار، يظل الاهتمام بالاستمتاع بأوقات الفراغ قائمًا. يلجأ العديد من الأسر إلى استثمار دخلها ووقتها في السفر والتنزه كجزء من استراتيجية للتخفيف من الضغوط اليومية وتعزيز للرفاهية الشخصية والأسرية.
تتطلب هذه الرغبة في الرفاهية بحثًا عن خيارات أقل تكلفة أحيانًا، مثل زيارة المنتزهات العامة أو زيارة الأقارب في مدن أخرى. هذه الاستراتيجيات تساعد في الاستمتاع بالوقت بأقل تكلفة ممكنة، في حين تعزز الروابط الاجتماعية وتدعم الاقتصاد المحلي.
وختم المتحدث أن هذا النمط في العيش يعكس التحولات الاجتماعية العميقة في المغرب، حيث ينظر الأفراد إلى الترفيه والاسترخاء كأجزاء أساسية من نمط حياتهم، بغض النظر عن التحديات الاقتصادية التي قد تواجههم.