
حسين العياشي
قدّم أحمد العمومري، الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عرضاً أمام أعضاء مجلس المستشارين حول الميزانية الفرعية للهيئة، استعرض فيه الوضع الحالي لمكافحة الفساد في المغرب، وقيّم الجهود المبذولة في هذا المجال، بالإضافة إلى استعراض رؤية الهيئة المستقبلية للمرحلة القادمة.
وذكّر العمومري في بداية حديثه بدور الهيئة كمؤسسة دستورية تتولى مسؤولية تنسيق وتتبع سياسات النزاهة ومحاربة الفساد، بالإضافة إلى نشر الوعي المعرفي في هذا المجال. كما أشار إلى أن القانون رقم 46.19، الذي صادق عليه البرلمان بالإجماع في عام 2021، قد عزز من مكانة الهيئة كفاعل رئيسي في المنظومة الوطنية للنزاهة.
وفي سياق الحديث عن محاربة الفساد، أكد العمومري أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع. هذا التوجه يتماشى مع الرؤية الملكية التي تضع محاربة الفساد كقضية جماعية تتطلب تجريم الممارسات الفاسدة والضرب بيد من حديد على أيدي المتورطين، فضلاً عن ضرورة ترسيخ قيم النزاهة في سلوك الأفراد والمؤسسات.
رغم التقدم الذي تم إحرازه في مجال مكافحة الفساد من خلال العديد من المبادرات والإصلاحات منذ بداية الألفية، إلا أن العمومري شدّد على أن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال من مجرد “تعداد الجهود” إلى “قياس الأثر الفعلي لهذه الجهود على حياة المواطن”. ففعالية السياسات العمومية لا يمكن قياسها بعدد النصوص القانونية أو القوانين التي تم إقرارها، بل يجب أن تقاس بقدرتها على تحسين جودة الخدمات العامة ورفع مستوى الثقة بين المواطن والمؤسسات.
وأظهرت تقارير الهيئة، بالإضافة إلى تقارير وطنية ودولية، أن الأثر الملموس لهذه الجهود لا يزال دون مستوى تطلعات المواطنين، ما يثير تساؤلات جديدة حول نجاعة السياسات المعتمدة.
وأشار العمومري إلى أن إحدى أكبر التحديات التي تواجه الهيئة تكمن في الفجوة بين الإطار القانوني والواقع العملي. فسن القوانين وتخصيص الميزانيات ليست كافية إذا لم تُترجم السياسات إلى تغييرات ملموسة في السلوكيات اليومية للمواطنين، ولابد من أن تسهم هذه السياسات في تقليص “الكلفة الخفية للفساد” التي يتحملها المجتمع.
من جانبها، تواكب الهيئة هذه الدينامية من خلال تقارير سنوية ودراسات تناولت قضايا محورية مثل تضارب المصالح، والإثراء غير المشروع، والتصريح بالممتلكات، وحماية المبلغين، بالإضافة إلى مراجعة قانون المسطرة الجنائية. كما قامت الهيئة بتقييم الاستراتيجية الوطنية 2015-2025 التي أظهرت تقدماً ملحوظاً، رغم أنها لم تصل بعد إلى مستوى الطموحات المرجوة بسبب محدودية الانخراط الجماعي.
وأعلن العمومري عن أن الهيئة تعمل حالياً على تطوير استراتيجية جديدة تمتد لخمس سنوات، تهدف إلى دمج الوقاية والتوعية مع المساهمة العملية في مكافحة الفساد. وتتضمن الاستراتيجية تفعيل جهاز المأمورين وتعزيز التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون، لضمان متابعة دقيقة للتحقيقات والتحريات.
تسعى هذه الاستراتيجية إلى بناء منظومة وطنية متكاملة، يشارك فيها جميع الفاعلين من مؤسسات حكومية، وهيئات اقتصادية، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام، والمواطنين. الهدف من هذه المنظومة هو إحداث نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، وتساهم بشكل فعّال في الحد من الفساد وتعزيز قيم النزاهة.





