
حسين العياشي
حرّك الكاتب العام لقطاع الشباب بوزارة الشباب والثقافة والاتصال، نقاش اليوم الدراسي حول حماية الطفولة من خانة التشخيص إلى أفق الفعل، حين قدّم رؤية عملية لتحويل نظام “الحرية المحروسة” من مجرد إجراء قانوني إلى مسار تربوي–اجتماعي متكامل يُعلي مصلحة الطفل ويصون حقوق الضحايا في آن. فقد شدّد، في كلمته، على أنّ العدالة الصديقة للأطفال لا تُقاس بعدد النصوص ولا بصرامة الإجراءات، بل بقدرتها على إعادة البناء: كيف نُبقي الطفل داخل نسيجه الأسري والمدرسي؟ وكيف نحميه من دوامة الوصم وإعادة العود، عبر مواكبة فردية تراعي سنّه وحاجاته وتستثمر محيطه الطبيعي؟
انطلق المسؤول من تشخيص صريح لمحدوديات المساطر الحالية: بطء الإحالة، تشتّت المرجعيات، تفاوت جودة المواكبة بين الجهات. واعتبر أنّ الإصلاح يمرّ عبر ثلاثة مسارات متوازية؛ أوّلها ترسيخ التنسيق المؤسسي بين رئاسة النيابة العامة والقطاعات الاجتماعية والصحية والتربوية، بما يضمن سرعة التدخّل ووحدة القرار، وثانيها بناء شبكة وطنية من الوسطاء والمربين الميدانيين تُضاعف حضور الدولة داخل الأحياء والمدارس والجمعيات، وثالثها تطوير أدوات رقمية للتتبّع والتقييم تُقدّم معطيات دقيقة حول مسار الطفل منذ أول خطوة إلى غاية الإدماج الكامل.
وأبرز أنّ “الحرية المحروسة” لن تستعيد معناها ما لم تُدعَم بحزمة بدائل واقعية للعقوبات السالبة للحرية: خطط مصاحبة فردية تُوقّع مع الأسرة والمدرسة، أشكال للعدالة التصالحية تُعطي مكاناً لضحايا الأفعال الجرمية وتُعيد الاعتبار لجبر الضرر، وحلول تربوية داخل المجتمع تُعلّم المسؤولية بدل أن تُكرّس القطيعة. وفي هذا المسار، دعا إلى اعتماد وحدات تكوين مستمرّة لفائدة الأطر القضائية والاجتماعية والمهنيين الميدانيين، حتى تتوحّد اللغة المهنية وترتفع جودة التدخّلات أينما كان الطفل.
ولأنّ أي إصلاح بلا تمويل مستدام يظلّ حبراً على ورق، توقّف عند ضرورة فتح اعتمادات ميزانياتية صريحة لهذا الورش، تُسندها شراكات مؤسساتية مع الجماعات الترابية، والقطاعات الوزارية المعنيّة، والاتحاد الأوروبي وشركاء التنمية، بما يسمح بإطلاق مشاريع نموذجية في عدد من الجهات، وتعميمها تدريجياً بناء على نتائج القياس والتقويم. كما دعا إلى ميثاق أخلاقي للتواصل يحمي صورة الطفل في الإعلام، ويرسّخ ثقافة الوقاية والمواكبة بدل التنميط والتجريم المجاني.
وقال إنّ الهدف ليس تجميل الواجهة بمفاهيم جذابة، بل بناء مسار واضح ذي آجال ومؤشرات: تقليص زمن الإحالة، رفع نسبة تمدرس الأطفال المعنيين، تحسين معدلات عدم العود، وتعزيز رضى الضحايا والمجتمع عن نجاعة التدخّل. واعتبر أنّ نجاح التجربة رهين بقدرة الجميع على الإصغاء: للقضاة وهم يوازنـون بين الردع والتأهيل، وللمربين الاجتماعيين وهم ينسجون خيوط الثقة مع الأسر، وللأطفال أنفسهم وهم يعبّرون عن احتياجاتهم ويشاركون في صياغة الحلول.
بهذه الروح العملية، ختم الكاتب العام كلمته بدعوة صريحة إلى تحويل خلاصات اليوم الدراسي إلى خارطة طريق قابلة للتنفيذ، تُعلن مراحلها للعموم وتُراجع دورياً بشفافية. فالمطلوب، كما أكد، عدالة قريبة من الطفل، متأهّبة وسريعة، تستند إلى المعرفة والبيانات، وتؤمن أنّ كل فرصة إنصات هي بذرة إصلاح. عندها فقط ستتحوّل “الحرية المحروسة” إلى جسرٍ حقيقي نحو إعادة الإدماج، ويستعيد الطفل توازنه وكرامته، ويستعيد المجتمع ثقته في منظومة عدالة إنسانية فاعلة في الوقاية بقدر فاعليتها في الإصلاح.





