المؤسسة القضائية وروح الديبلوماسية الموازية

بشرى عطوشي
عند الحديث عن الوحدة الترابية، عن الصحراء المغربية، وعن الدبلوماسية الموازية في هذا الشأن، تغمرنا مشاعر الحب والفخر بوحدتنا، ونعتز كثيرا بغيرتنا على وطننا الحبيب، ودفاعنا المستميت عن صحرائنا المغربية، وعند الحديث عن الديبلوماسية الموازية للتعريف بالقضية الوطنية، هنا يمكن القول، هذه الديبلوماسية بدورها فن يستدعي الحنكة والمعرفة بجميع الجوانب التاريخية للصحراء المغربية.
في هذا الصدد تجب الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في شخص رئيسه مصطفى فارس وقضاته، يعد نموذجا لهذه الديبلوماسية، التي يمارسها بكل ثقة للتعريف بالقضية الترابية وللتأكيد على مغربية الصحراء في جميع المحافل. ديبلوماسية لم تنطلق من فراغ، بل تأتي من قناعة راسخة، ومعرفة بجميع حيثيات القضية وتاريخها.
فقد شكل اللقاء التواصلي مع وفد إيسلاندي الإثنين الماضي، نظمه المجلس المذكور بمحكمة النقض، نقطة فيصل في شأن الوثائق التي تثبت مغربية الصحراء، حيث استدل بوثائق لقضاة لعبوا صلة الوصل بين السلطان والشعب، وأكد أن المعطى حول الالتحام، تؤكده كذلك العديد من الأحكام القضائية والشهادات التاريخية والوثائق الصادرة في المناطق الجنوبية بداية القرن الماضي التي تبرز وحدة المملكة من خلال وحدة العمل القضائي في جميع أنحاء المغرب بمذهب فقهي وعقائدي موحد.
وبحثا عن الوثائق التي تتوفر محكمة النقض عليها، فقد تم التوصل إلى أن المحكمة تأبى إلا أن تقوم بدور فعال في الديبلوماسية الموازية، حيث تم الوقوف على أنه جرى توثيق وثائق ودراسات وأحكام في مؤلف يحمل عنوان وحدة المملكة، تم إصداره وترجمته إلى كل اللغات العالمية الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، حتى يتسنى لكل باحث الاطلاع على ما تزخر به الذاكرة القضائية المغربية بصفة عامة والصحراوية بصفة خاصة. وعمدت المحكمة إلى وضع نسخة رقمية من هذا الإصدار الهام بموقعها الإلكتروني في إطار تقريب المعلومة من المتلقي.
وبالعودة للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش في نسخته الأولى، الذي نظمه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في أبريل من السنة الماضية، فقد جرى فتح المتحف الذي يؤرخ للذاكرة القضائية، أمام الحضور والمشاركين الدوليين وضيوف المغرب من كبار المسؤولين وقضاة وحقوقيين ومهنيين، حيث شكل هذا المتحف فرصة للاطلاع على مجموعة من الشهادات والوثائق والمخطوطات التي تؤكد على “عراقة المغرب وأصالته”، وتؤكد بالخصوص “على وحدة المملكة من خلال قضائها”.
وثائق وحجج قانونية وقضائية تاريخية، يصفها الدكتور عبد الوهاب سيبويه، بالحجج “الدامغة التي تجسد ارتباط جنوب المغرب بشماله ووسطه” في توليفة قانونية وقضائية موحدة.
وثائق للبيعة وأحكام قضائية صادرة بالصحراء جنوب المغرب لها مئات السنين تؤكد على عمق العلاقة والعناية التي أولاها السلاطين والملوك المغاربة بأسرة القضاء.
الدكتور سيبويه الذي أتيحت لي فرصة الاستماع لمداخلته في اللقاء التواصلي الأخير بحضور الوفد الإسلاندي، هو صاحب أكبر خزانة للمخطوطات والوثائق، وهو باحث وصاحب أكبر خزانة للمخطوطات والوثائق، ولديه مركز للإعلام وحفظ ذاكرة الصحراء المغربية، يشتغل في هذا المجال منذ سنة 1984، فهو من أسرة عريقة امتهنت العلم والقضاء على مدى أجيال، من أول مخطوطة لجده الحادي عشر إلى الآن، تتحدر أسرته من المناطق الجنوبية، من بوجدور، الداخلة، العيون، واسمه العائلي سيبويه، هو اسم الأجداد الذين كانوا لغويين ويشرحون متون النحو، وبالضبط متن “لامية الأفعال”.