المخطط الأخضر والرقص على أنقاض الفلاحة المعيشية

 

بشرى عطوشي

 

اعتدنا في كل مرة يصدر فيها تقرير من مؤسسة دستورية يفضح فيها عمل الحكومة، خروج هذه الأخيرة للرد عبر سرد أرقام ومشاريع وبرامج.

ففي سياق التفاعل مع الرأي الأخير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص الفلاحة العائلية، خرج وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، ليفند بعض المعطيات، مؤكداً أن الأرقام الواردة لا تعكس حجم الجهود الحقيقية المبذولة لدعم هذا القطاع الحيوي.

وزير الفلاحة الذي سرد مجموعة من الأرقام التي نعلم أنها موجودة بالفعل، وأنها رصدت بالفعل لكل غاية (مفيدة)، ولم تصرف في مواضعها، وتغافل الوزير، أو غفلت عيناه عما يجري بالقرى المغربية، وما يعانيه بالفعل الفلاح الصغير والفلاحة العائلية.

أرقام صحيحة، إلا أنها لم توجه بشكل صحيح وصائب للفئات المستهدفة، ولم يتم تتبع تلك الأموال والمبالغ ومكان صرفها.

فالكل يعلم أن الفلاح الصغير لم يكن أبدا ضمن مخططات الوزارة المعنية،  فالبادية يا وزير الفلاحة أصبحت منطقة منكوبة وسكانها هاجروا إلى أحزمة الفقر حول المدن وذلك بسبب مخطط المغرب الأخضر، الذي دمر الفلاحة المعيشية باقصاء البادية من اي مخطط فلاحي تنموي، وبالتالي وعبر سنين تم تدمير الفلاح الصغير في البادية وتحول إلى لاجئ في المدن، وهو الوضع الذي زاد من تفشي البطالة والفقر والتسول واحتلال الشوارع والفضاء العام بالباعة المتجولين.

الكلام عن الفلاح بالبادية ودعمه، مجرد بيع أوهام والحالة التي توجد عليها مختلف القرى في البلد تؤكد انهيار مستوى معيشة الفلاح الصغير.

برامج لا تخدم البتة إلا الفلاحين الكبار والمنتجين الكبار والمصدرين وغيرهم من المنتمين للقطاع إلا الفلاح الصغير، الذي لا يجد حتى الفتات لإطعام دجاجاته.

إن واقع الفلاحة المعيشية، يا وزير الفلاحة يكشف تناميا لمخاطر الاختفاء التدريجي للفلاحين الصغار من المشهد (كسابة ومزارعين) وتزايدا لاحتمالات تسجيل “نزوح كتلي” من النشاط الفلاحي لهذه الفئة نحو بدائل هشة.

ولقد أسهم كل من توالي سنوات الجفاف وتدهور جودة المراعي والغابات وغلاء الأعلاف بمعية مجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية والمضاربات العقارية (التوسع العمراني على حساب الأراضي الفلاحي) في تفاقم الوضع، دون إغفال سلبيات بعض اختيارات السياسة الفلاحية.

إن إنقاذ الفلاحة المعيشية يستدي برنامجا يتسم بالشمولية والاستدامة ويصحح الاختلالات التي أظهرتها السياسة الفلاحية خلال العقود الأخيرة، خاصة ما يتعلق بتركيزها على الزراعات التسويقية والتصديرية المستنزفة للماء، على حساب المناطق البورية والزراعات المعيشية والفلاحين الصغار التي لم تنل القدر الكافي من الاستثمارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى