المغاربة غير راضين عن سلوكهم في الشارع العام: أرقام مقلقة

نجوى القاسمي
في سياق متغير يتسم بتسارع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، لم يعد الفضاء العام في المغرب مجرد مكان مشترك لقضاء الحاجيات أو التنقل بين الأمكنة، بل غدا مجالا يعكس بعمق واقع التنوع الثقافي والسلوكي، وصدى لصراعات القيم بين موروث تقليدي راسخ وآفاق حداثية ناشئة.
وسط هذا المدّ من التغيرات، تبرز إشكالية السلوك المدني كمؤشر دقيق على مدى ترسخ المواطنة الفاعلة في الحياة اليومية للمغاربة.
في هذا الإطار، أطلق المركز المغربي للمواطنة استطلاعا للرأي العام، سعى من خلاله إلى رصد تمثلات المواطنين حول ممارساتهم اليومية داخل الفضاء العام، ومدى التزامهم بقيم السلوك المدني.
تأتي هذه المبادرة في لحظة فارقة، حيث يستعد المغرب لاحتضان تظاهرات دولية كبرى، أبرزها كأس العالم 2030، ما يستدعي مراجعة جماعية لسلوكياتنا في الفضاءات المشتركة، وتحفيز وعي جماعي يرتقي إلى مستوى التحديات القادمة.
بلغ عدد المشاركين في الاستطلاع 1173 مواطنة ومواطنا من مختلف جهات المملكة. وقد شكل الذكور الأغلبية بنسبة 75.9%، فيما مثلت الإناث 24.1%. أما الفئات العمرية، فقد تركزت بالأساس بين 20 و49 سنة، وهو ما يعكس انخراط فئة الشباب في هذا النقاش القيمي الحساس.
صورة قاتمة نسبيا.. تقييم السلوك داخل الفضاء العام
جاءت نتائج الاستطلاع لتسلط الضوء على واقع يُراوح بين طموح مجتمعي نحو المواطنة الكاملة، وسلوكيات يومية تعكس بعض مظاهر الانفصال عن هذا الطموح.
ففي ما يتعلق باحترام قواعد اللباقة كاستعمال لغة محترمة والتعامل بأدب رأى حوالي 44.9% أن مستوى الالتزام يبقى متوسطًا، في حين عبر 42.8% عن عدم رضاهم، ولم تتجاوز نسبة الراضين 12.5%.
أما في ما يتعلق باحترام الجار وتجنب إزعاجه، فقد بدت الصورة أكثر قتامة، إذ عبّر 44.4% عن عدم رضاهم، مقابل 15.7% فقط عبّروا عن رضاهم، وهي مؤشرات تكشف عن تراجع في إحدى أبرز القيم التقليدية في الثقافة المغربية.
الأمر يزداد حدة حين نتحدث عن احترام النساء في الفضاء العام. فهنا أظهر الاستطلاع خللا عميقا، إذ عبّر أكثر من نصف المشاركين (52.2%) عن عدم رضاهم عن طريقة تعامل المواطنين مع النساء، وهي نتيجة تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى ترسخ قيم المساواة والاحترام في الممارسة اليومية.
وفي الجانب الإيجابي نسبيا، أظهر المواطنون احتراما أكبر تجاه كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، حيث صرّح 43.3% برضاهم، في مقابل 18.8% فقط عبّروا عن عدم رضاهم. أما احترام الفئات الهشة والمستضعفة، فقد سجل بدوره معدلات مقلقة، حيث أبدى 47.2% استياءهم من تعامل المغاربة مع هذه الفئات..
من التقييم إلى الفعل.. نحو مواطنة مسؤولة
ليست هذه النتائج سوى مرآة صريحة لما يعيشه الفضاء العام المغربي من تناقضات قيمية، تستوجب تفعيل مشاريع للتربية على المواطنة، وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية السلوك الحضاري. فالمواطنة.
كما أكد التقرير، لا تُقاس فقط بحجم المشاركة السياسية، بل تتجلى في التفاصيل اليومية: احترام الآخر، الحفاظ على نظافة الشوارع، الصمت في وسائل النقل، تقديم المساعدة للفئات الهشة، وغيرها من الممارسات التي تبني “الوطن الصغير” داخل كل حي وشارع ومقهى ووسيلة نقل.