المغرب في صمت الاكتئاب: أرقام صادمة تكشف الوجه الخفي للأزمة النفسية (تقرير)

حسين العياشي
يكشف تقرير حديث صادر عن منصة African Exponent عن أرقام مقلقة حول الصحة النفسية في المغرب، حيث تشير المعطيات إلى أن نحو 6,54% من سكان المملكة، أي ما يزيد عن ستة آلاف شخص، يعانون من اضطرابات اكتئابية، ما يجعل المغرب ضمن البلدان الإفريقية الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة الصامتة. وتضع هذه النسبة المملكة في المرتبة الثالثة على مستوى القارة، بعد تونس التي تتصدر الترتيب بـ7,57%، ثم ليسوتو بنسبة 6,89%.
ولا تنفصل هذه الأرقام عن واقع اجتماعي واقتصادي معقد يعيشه المغرب منذ سنوات. فظاهرة الاكتئاب، كما يوضح التقرير، ليست مجرد مسألة طبية، بل انعكاس مباشر لمجموعة من العوامل البنيوية: بطالة مرتفعة، تفاوتات مجالية عميقة بين المدن والقرى، ضغط اجتماعي متزايد على الشباب، ومشاعر فقدان الأمل التي ترافق التحولات السريعة في أنماط العيش. وتزداد هذه المعاناة في مجتمع محافظ لا يزال ينظر إلى المرض النفسي بعين الحرج، مما يدفع كثيرين إلى البحث عن حلول روحية أو غير رسمية بدل اللجوء إلى المختصين.
ويشير التقرير إلى أن القرى والمناطق النائية تشكل بؤر هشاشة نفسية مضاعفة، إذ يعاني سكانها من غياب فرص العمل والخدمات الصحية المتخصصة، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب التوازن الأسري والاجتماعي، وتنامي الضغط المالي والنفسي. ومع الهجرة الداخلية المستمرة وتشتت الأسر، يصبح الاكتئاب نتيجة منطقية لحياة يغيب فيها الاستقرار والأمان العاطفي والاجتماعي.
كما يربط التقرير بين الوضع المغربي ونظيره التونسي، مشيراً إلى تشابه الخلفيات الاجتماعية والسياسية التي تغذي الاضطرابات النفسية في البلدين. فمنذ الثورة التونسية سنة 2011، واجهت البلاد سلسلة من التحديات الاقتصادية والسياسية التي انعكست سلباً على فئات واسعة من الشباب، تماماً كما هو الحال في المغرب، حيث بات الإحباط وانعدام الثقة في المستقبل من أبرز المحركات الخفية لحالات الاكتئاب.
أمام هذه المؤشرات المقلقة، بدأ المغرب في السنوات الأخيرة في بلورة رؤية جديدة للتعامل مع الصحة النفسية باعتبارها أولوية وطنية. فقد تم توسيع شبكة المؤسسات الاستشفائية المتخصصة، مع تكوين أطباء وممرضين في مجال الكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية، سعياً إلى تقريب خدمات الدعم النفسي من المواطنين. كما تم إدماج التربية النفسية في برامج بعض المدارس والجامعات، لتأهيل الجيل الجديد على مواجهة الضغوط اليومية بوعي ومسؤولية.
وإلى جانب هذه الإصلاحات الميدانية، اتجهت السلطات إلى تطوير مقاربة رقمية من خلال تطبيقات موجهة للدعم النفسي وخطوط هاتفية مجانية للاستماع والتوجيه، إضافة إلى حملات وطنية تسعى إلى كسر جدار الصمت المحيط بالمرض النفسي ومحاربة الوصمة الاجتماعية التي تحيط به. وهي خطوة تعكس تحولاً نوعياً في التعاطي مع هذا الملف، من زاوية إنسانية أكثر شمولاً.
ويستفيد المغرب في هذا السياق من تجارب إفريقية رائدة مثل تونس وليسوتو، اللتين اعتمدتا برامج مجتمعية للوقاية والتدخل المبكر، ونجحتا في إشراك المؤسسات التعليمية والجمعيات المحلية في تعزيز الوعي بالصحة النفسية. وقد ألهمت هذه النماذج المغرب لتبني رؤية تقوم على التكامل بين القطاعات الصحية والاجتماعية والتربوية، وتحويل الصحة النفسية إلى ركيزة من ركائز التنمية البشرية.
ويخلص التقرير إلى أن المغرب يخطو بثبات نحو بناء سياسة متكاملة للصحة النفسية، تجمع بين البنية التحتية الحديثة والتحسيس والتكوين والدعم المجتمعي. فرغم التحديات البنيوية القائمة، فإن الجهود المبذولة تعكس إرادة سياسية واضحة في جعل الصحة النفسية حقاً أساسياً لكل مواطن، وعنصراً من عناصر الكرامة الإنسانية والاستقرار الاجتماعي. وبين الأرقام المقلقة والإصلاحات الواعدة، يبقى الرهان الأكبر هو تحويل هذه الجهود إلى ثقافة مجتمعية راسخة تعيد للإنسان المغربي توازنه الداخلي وإيمانه بالحياة.