الناجي يحذر: ثروتنا السمكية على حافة الانهيار والريع الانتخابي يقودنا نحو مستقبل قاتم

حسين العياشي
يُدق ناقوس الخطر من جديد بخصوص واقع الثروة السمكية الوطني، هذه المرة على لسان الخبير الناجي محمد، أستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ورئيس شعبة الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، وخبير لدى الأمم المتحدة في برنامج التغذية والزراعة. فبعد عقود من الاشتغال إلى جانب القطاعات الوصية والمنظمات الدولية، يرى الناجي أن لحظة المكاشفة قد حانت، لوضع الأصبع على الاختلالات التي تنخر قطاع الصيد البحري، والذي بات مهدداً في وجوده.
يعتبر الخبير أن ما تعيشه البحار المغربية اليوم ليس استثناءً، بل يندرج ضمن سياق أوسع لاستنزاف الموارد الطبيعية، تماماً كما وقع في المياه الجوفية والموارد الفلاحية، من زراعة وتربية المواشي.. ويُرجع هذا الوضع بالأساس إلى فشل السياسات العمومية التي سارت في اتجاهات متناقضة، غلبت عليها الحسابات السياسية على حساب الرؤية العلمية والاستدامة.
ورغم امتداد السواحل المغربية على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، لم يتبقّ، بحسب الناجي، سوى الخزان الممتد من الرأس الأبيض إلى بوجدور كمصدر رئيسي، وهو الآخر بدأ يتعرض لنهب مكثف واستغلال مفرط يهدد بتبديد ما تبقى من مخزون.
النتيجة، تقلص التنوع السمكي داخل الأسواق الوطنية، واختفاء أنواع عدة كانت متوفرة إلى حدود مطلع الألفية. الصيادون بدورهم لم يعد أمامهم سوى خيار محدود: الأخطبوط، السردين، وقليل من الأصناف الأخرى، وحتى هذه بات صيدها متقطعاً بفعل الهجرة الجماعية أو تقلص في حجمها.
الأخطر من ذلك، أن القطاع برمته، كما يقول الخبير في تصريح لإحدى القنوات الإلكترونية، أصبح يشتغل في وضع أقرب إلى “البقاء على قيد الحياة”، وسط تجاوزات وخروقات قديمة كانت تغطي عليها وفرة السمكية، لكنها اليوم لم تعد تخفي شيئاً. ويطرح الناجي مثالاً صارخاً يتعلق بالسردين: المغرب يصدر أكثر من 160 ألف طن من دقيق السردين سنوياً ليستعمل كعلف للمواشي، في حين يُحرم المواطن من استهلاكه بسبب ارتفاع أسعاره بشكل غير مسبوق. “هذه مفارقة تفضح ضعف وفشل وزارة الفلاحة والصيد البحري في التدبير، وكان بالإمكان تلافيها لو اتُّخذت إجراءات استباقية منذ سنوات”، يضيف الخبير.
ومن بين القرارات التي يعتبرها كارثية، يشير الناجي إلى الترخيص للقوارب برفع حمولتها من طنين إلى ثلاثة، قرارٌ قد يبدو بسيطاً في ظاهره، لكنه يطال 17 ألف قارب، ما يعني زيادة الاجهاد بنحو 30% دفعة واحدة، وهو ما عمّق الاستنزاف أكثر. بالنسبة للخبير، هذه المقاربة لم تكن مبنية على أسس علمية، بل ارتبطت بخلفيات سياسية وانتخابية ضيقة “تعلو فوق كل الاعتبارات”، فدفعت القطاع إلى حافة الكارثة.
اليوم، لم يعد الوضع يحتمل صمتاً أو ترقيعاً، فالثروة السمكية، التي شكلت لعقود رافعة اقتصادية وغذائية للمغاربة، تقف عند مفترق طرق كارثي، إما إصلاح حقيقي مبني على العلم والحوكمة الصارمة، أو مستقبل مظلم تُبدَّد فيه آخر المخزونات تحت ضغط الريع والنهب.