الهيني لـ”إعلام تيفي”: المحكمة الدستورية مارست رقابة خجولة وأغفلت خروقات أخطر في قانون المسطرة المدنية

حسين العياشي

أثار قرار المحكمة الدستورية عدد 255/25 الصادر بتاريخ 4 غشت الجاري، القاضي بعدم دستورية عدد من مواد مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، ردود فعل قوية في الأوساط القانونية والحقوقية. فقد اعتُبر القرار بمثابة زلزال تشريعي هز أسس أحد أهم القوانين الإجرائية بالمغرب، خاصة بالنظر إلى التداعيات المؤسساتية والسياسية التي سيُخلفها.

وفي هذا السياق، قدم الدكتور محمد الهيني، المحامي والخبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان، وعضو لجنة إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية سابقًا، قراءة تحليلية دقيقة عبر تصريح خصه ل”إعلام تيفي”، سلط فيها الضوء على ما وصفه بـ”الاختلالات البنيوية” في قرار المحكمة، الذي اعتبره في ظاهره تاريخيًا، لكنه في عمقه “قرار خجول وغير جريء”.

ورغم أن القرار جرد النص من صفته كقانون قائم وأعاده إلى نقطة الصفر، إلا أن المحكمة لم تفحص جميع مواده، ما يضع الحكومة في وضع ملتبس وهي تتهيأ لصياغة مشروع بديل. هذا التوجه، وفق الهيني، يُفرغ الرقابة الدستورية من مضمونها، إذ لا يُعقل أن تكتفي المحكمة بإبطال بعض المقتضيات الواضحة الخرق، وتغض الطرف عن باقي النصوص رغم خطورتها.

وقد حدد الهيني ثمانية محاور كبرى للمخالفات الدستورية التي استوقفت المحكمة، من أبرزها منح النيابة العامة سلطة غير مسبوقة لإلغاء الأحكام، وتعريض حقوق الدفاع للخطر عبر آليات تبليغ غير مضبوطة، وتقنين التقاضي عن بعد دون ضمانات تكفل العلنية، وتحصين مستنتجات المفوض الملكي من الطعن، وغياب التعليل في قرارات قضائية، وتدخل وزارة العدل في اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال إدارة النظام المعلوماتي للمحاكم.

لكن الأخطر في رأيه، هو تبني المحكمة لنظرية “الخرق الدستوري البين”، أي الاكتفاء بإلغاء ما يبدو جليًا مخالفًا للدستور دون التحقق من باقي المقتضيات، مما يُفرغ وظيفة المحكمة من مضمونها، ويجعل رقابتها شبيهة برقابة النقض المرتبطة فقط بالوسائل المثارة، بينما المطلوب منها هو فحص النص القانوني برمته ما دام لا يمكن عرض القانون مجددًا على المحكمة.

حيث اعتبر أن المحكمة اختزلت مهمتها الدستورية في انتقاء المقتضيات التي تتعارض بشكل ظاهر مع الدستور، متجاهلة تلك التي تطرح إشكاليات أعمق وأكثر تعقيدًا، بما فيها مقتضيات تهدد حق التقاضي، وتخل بمبدأ المساواة أمام القانون، وتنتقص من ضمانات استقلالية القضاء.

ويضيف أن المحكمة أخفقت في فحص مقتضيات خطيرة، من بينها فرض غرامات باهظة على الطعون، وحرمان المتقاضين من مجانية التقاضي، وتمييز الإدارة في تنفيذ الأحكام، وإحداث أقسام شبه قضائية داخل المحاكم تفرغ مبدأ التخصص من مضمونه، علاوة على منح صلاحيات استثنائية لوزير العدل في إحالة الطعون، بما يمس استقلال القضاء.

الهيني يعبّر عن أسفه لما اعتبره فرصة ضائعة لكتابة صفحة مضيئة في تاريخ العدالة الدستورية، مؤكدًا أن المحكمة اختارت نهج الحذر بدل الحسم، والانتقائية بدل الشمول، وهو ما يضع مصداقية الرقابة الدستورية على المحك، ويُربك البرلمان والحكومة في إعداد مشروع قانون جديد دون بوصلة واضحة.

وخلص إلى أن المغرب بحاجة إلى قضاء دستوري شجاع، يمارس سلطاته بكامل الجرأة، حمايةً للدستور وحقوق المواطنين، لا أن يختبئ وراء مفاهيم تقنية تبرر التغاضي عن نصوص تفتقر إلى المشروعية الدستورية. فالدستور، كما قال، لا يُجزأ، وأي خرق له – بيِّنًا كان أم غير ذلك – يظل خرقًا يستوجب الوقوف عنده بحزم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى