بودن: دعم بريطانيا لمبادرة الحكم الذاتي نقطة تحول في ملف الصحراء المغربية

إيمان أوكريش
في تطور بارز يعكس تحولا مهما في الموقف الدولي تجاه ملف الصحراء المغربية، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل عملي وواقعي للنزاع، معتبرا هذه المبادرة “الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية” لتسوية القضية.
وجاء هذا الإعلان خلال زيارة رسمية للرباط، اختتمت بتوقيع بيان مشترك بين الوزير البريطاني ونظيره المغربي ناصر بوريطة، مما يعزز الدفع نحو الحلول الدبلوماسية ويقوي موقع المغرب في المساعي الأممية الرامية إلى إنهاء النزاع ضمن إطار سيادة المملكة.
وفي هذا السياق، أوضح محمد بودن، خبير في الشؤون الدولية المعاصرة، أن دعم المملكة المتحدة لمخطط الحكم الذاتي واعتباره الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية النزاع، يمثل نقطة تحول فارقة في مسار ملف الصحراء المغربية وامتداد لحقبة المواقف الاستثنائية المعبر عنها من طرف القوى الدولية الكبرى منذ القرار الأمريكي سنة 2020 والموقف الإسباني سنة 2022 ثم الموقف الفرنسي سنة 2024، فضلا عن مواقف قوى إقليمية تنتمي لفضاءات جيوسياسية مختلفة.
وأضاف بودن في تصريح خص به “إعلام تيفي” أن هناك ثلاثة رسائل يمكن استخلاصها من هذه الانعطافة التاريخية، أولها أن الموقف البريطاني الجديد يقفز بالعلاقات إلى مستويات رفيعة ويجعلها نموذجا للعلاقة بين ملكيتين عريقتين في إطار التعاون شمال – جنوب.
وأشار إلى أن الدعم البريطاني للمصالح العليا للمملكة المغربية يعكس التفكير المشترك بين البلدين ووجود رؤيتين تلتقيان في المنفعة المتبادلة ودفع السلام والازدهار.
وتابع أن الأمر يتعلق بمؤشرات موثوقة وبوادر واضحة للحسم النهائي، معتبرا أنه إذا ما قامت الجزائر بإجراء تقييم موضوعي لهذه الإرادة الدولية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي ولحصيلة نهجها المعزول عن مجريات الأمور، وإذا ما أخذ صانع القرار الجزائري خلوة لدراسة محاور مبادرة الحكم الذاتي بروية وعقلانية، فإن احتمال التحاق الجزائر بركب القوى الدولية الكبرى المقتنعة يبقى قائما ولا يمكن إدراجه في خانة سابع المستحيلات.
وأكد بودن أن تصرف المملكة المتحدة وفقا لهذا الموقف على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية يعكس التزاما بالعهود ويضع لبنة جديدة ضمن رؤية دولية تصب في تكريس سمو مبادرة الحكم الذاتي كأرضية صلبة للتسوية في أفق الاستحقاقات الأممية القادمة.
وأشار إلى أن المملكة المتحدة أظهرت اهتماما صريحا بالمملكة المغربية، وهذا مرتبط بالمصالح المشتركة لا سيما الاقتصادية منها في المسائل المتعلقة بالاستثمار والطاقة والزراعة وغيرها من القطاعات التي كان موضوعات لإطار اتفاقي بين البلدين.
ولفت إلى أن الحقائق الدامغة للموقف السيادي المغربي أصبحت قاعدة ثابتة في تصرفات عدد من الدول، وهذا عنوان رئيسي اليوم للعلاقات الدولية للمملكة المغربية. وبالنظر لسياقات وتوقيت الموقف البريطاني الجديد، ذكر بودن أربع دلالات.
أولا ، الموقف الجديد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي صادر عن مدرسة دبلوماسية بريطانية عريقة معروفة بقاعدة واقعية شهيرة تقول: “If you can’t beat them, join them.” وتعني باللغة العربية “إذا لم تستطع هزيمتهم، انضم إليهم”.
ثانيا، موقف المملكة المتحدة “ثمرة من ثمار دبلوماسية المبادرة الملموسة التي أطلقها جلالة الملك، وهو انعكاس لرسالة الرباط التي جعلت من الصحراء المغربية النظارة التي تقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، وبالتالي فالأمر يتعلق برسالة قوية حول تأثير المملكة المغربية في كبريات عواصم القرار العالمي”.
ثالثا، تكمن القيمة الاستراتيجية لموقف المملكة المتحدة في طبيعة الأدوار الكبرى التي لطالما لعبتها لندن في تشكيل القرار العالمي والعمل الخارجي بعدد من المجالات الجيوسياسية، وبالنظر لكونها من الخمسة الكبار بمجلس الأمن (P5) فضلا عن دورها القيادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) ورابطة الكومنولث التي تضم 56 دولة من مختلف القارات، فضلا عن أدوارها الرئيسية في حلف الناتو ومجموعة السبع ومجموعة العشرين.
رابعا، الموقف البريطاني يأتي بعد أقل من سنة على تولي زعيم الحزب العمالي كير ستارمر رئاسة الوزراء، كما يأتي في سياق مثالي قبل الذكرى 80 لتأسيس الأمم المتحدة بأشهر وفي سياق خمسينية النزاع الإقليمي المفتعل، ومن شأنه أن يمثل حافزا للأمم المتحدة والأطراف المعنية في أفق أكتوبر القادم.