بين السلطة والإنسانية كلام لا يقال!!

بشرى عطوشي

فعلا هناك كلام يقال، وكلام نحسه ونشعر به دون أن يحدثنا به آخرون، اليوم في ظل تلقينا لمكالمات بعض المواطنين، جرني ما حكاه أحدهم إلى أن درجة الألم تختلف أمكنته وأزمنته وأشخاصه.

في ظل ممارسة بعض الأفراد لسلطتهم ومكانتهم الإدارية، تبقى بعض الوجوه واجمة وبعض الكرامات محطمة، وأخرى لا تبالي لهذه الممارسات، إلا أن الشخص الذي لفني بكاؤه برداء بارد كالثلج، وهو يسرد قصته التي وقعت مع أحد القياد بمقاطعة بالدارالبيضاء، جعل الكلمات تقف في حلقي من شدة وصلابة الموقف الذي أحسسته.

فحين يتعرض شخص ما للإهانة بالإدارة المغربية وخصوصا من قبل رجل سلطة، وحين يكون لهذا الشخص اليقين بأنه لم يرتكب أي خطأ ولم تصدر منه أي إساءة لإدارة أو شخص ما، فهذه قمة ” الألم”.

ياسين شخص تعرض قبل أسبوع لموقف جعله يحكي قصته بغصة، في انتظار ان ينصفه أحد ما أوأن ينصت إليه، أوقفتني كلماته حين قال لي: “تعرضت للإهانة من قبل رجل السلطة، هل أهانني لأنني ما قريتش أو لأنني إنسان فقير وبسيط، أم لأنني “بناي” وحوايجي خايبين؟” وأضاف : “أنا كنخدم على والديا وعلى راسي في هذه المدينة “الدارالبيضاء” لأنني ما لقيتش خدمة في مدينتي اللي كيعيشو فيها والديا، وما قريتش لأن الدولة هي اللي ما قراتنيش ( ما وجداتش ليا المدرسة اللي قريبة من القرية اللي أنا فيها، وما وجداتش ليا التنقل، بحيث كنت كنمشي المدرسة على رجليا غير تنوصل كنعس، وكنرجع في العشية وأنا منهك أيضا، راه الدولة اللي ما وفراتش ليا السكن الجيد، وطريق مزيانة، وخدمة ومأكل ومشرب ملبس، راه الدولة اللي ما خلاتش والديا يلقاو باش يقريوني ويوكلوني وزيد وزيد،…..) ولولا مقاطعتي لهذا الشاب الذي كان يتحدث عبر الهاتف بحرقة، وربما حتى ثمن المكالمة كان كبيرا مقارنة مع أجرة يومه كونه يشتغل مياوما بأحد أوراش البناء، لكان استمر في سرد ما لم يحصل عليه من حقوق يكفلها له الدستور وحق المواطنة.

وجود ياسين بالمقاطعة كان من أجل شهادة السكنى لإعداد البطاقة الوطنية، لشراء دراجة تساعده على التنقل من محل سكناه إلى مكان عمله، خطوات ظنها بسيطة لكنها كلفته كرامته بمكان لا يحترم المواطنين كيفما كانوا ومهما كانت صفتهم.

رجل السلطة في الوقت الذي كان يجب عليه التعامل مع هذا الشاب بإنسانية وتقدير لمستواه المعرفي بالمساطر الإدارية، هدده بالسجن وقلل من شأنه حسب ما حكى الشاب ياسين في مكالمته الهاتفية.

بغض النظر عن الفعل والحيثيات وظروف وملابسات هذه الواقعة، وبعيدا عن من كان محقا ومن لم يكن، يبقى المواطن المغربي يواجه تحديات عدة في تعامله مع الإدارة المحلية، حيث يواجه صعوبات في التنقل، الانتظار، وسوء تعامل بعض الموظفين، والمساطر الإدارية المعقدة والأمية والجهل بالحقوق والقوانين والواجبات وغياب الوعي وغيرها من الإكراهات التي تواجه المواطن والموظفين، كلها تحديات تشكل عائقًا أمام سهولة الحياة اليومية وتتطلب تحسينًا جوهريًا لتعزيز راحة المواطن وتسهيل الإجراءات الإدارية.

وبغض النظر عن هذا كله، إلا ينتاب بعض الموظفين كرجال السلطة شيء من الإنسانية اتجاه مواطنين، رمت بهم الظروف في أحضان الفقر والأمية والجهل، وسلبتهم الأيام طموحاتهم وأحلامهم، ليجدوا أنفسهم في الوقت الذي يريدون فيه حقا من حقوقهم كفله الدستور لهم، يتخلون حتى عن هذه الحقوق وتقتل آمالهم.

الإنسانية هي الاحترافية، الإنسانية هي قيمة الموظف مهما علت مرتبته، فتجرد هؤلاء الموظفين من الإنسانية، يبين فعلا كم أصبح هؤلاء عاقين لمواطنتهم وتربيتهم وشخصهم.

إن المغرب الذي نريده فعلا هو أن يلمس المواطن في أي مكان حل به، قيمته كثروة لهذا البلد، لا أن نجرده من وطنيته وآماله وأحلامه البسيطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى