بين معرض الفلاحة ومعرض الكتاب: المغرب بين ضرورات البقاء وأسئلة الوعي

منير عطوشي
في ذات الأسبوع، يشهد المغرب تزامن حدثين بارزين يشكلان وجهين متكاملين لهويته المعاصرة: المعرض الدولي للفلاحة بمكناس ومعرض الكتاب والنشر بالرباط. ورغم اختلاف طبيعة كل منهما، إلا أن تزامنهما يطرح سؤالاً عميقاً يتجاوز راهنية الحدث ليطال جوهر العلاقة بين المعرفة والعيش، بين الثقافة والإنتاج، بين الروح والجسد.
معرض الفلاحة، الذي بات من أبرز التظاهرات الاقتصادية في القارة الإفريقية، يستقطب فاعلين من مختلف أنحاء العالم. هناك، تلتقي التقنيات الحديثة بخبرة الفلاح المغربي، وتُعرض التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والماء والمناخ. إنه فضاء يحتفي بالأرض، وباليد التي تزرع، وبالجهد الذي يصنع الاكتفاء.
في المقابل، يقدم معرض الكتاب بالرباط فضاءً موازياً، لكنه لا يقل أهمية. هناك، لا تُعرض الآلات ولا تُقاس المحاصيل، بل تُعرض أفكار، وتُناقش رؤى، ويُستعاد دور الكلمة في صياغة وعي جماعي قادر على مواجهة التحولات المتسارعة. الكتاب، رغم كل ما يواجهه من تحديات أمام الرقمنة والعزوف عن القراءة، لا يزال بالنسبة لكثير من الزوار رمزاً لمقاومة النسيان، وبحثاً دائماً عن المعنى.
بين المعرضين، يجد كثير من المغاربة أنفسهم أمام مفاضلة تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في عمقها تعكس سؤالاً وجودياً: هل تُعطى الأولوية لما يُشبع الجسد أم لما يُغذي العقل؟
وبين من يُفضل زيارة مكناس للاطلاع على مستجدات القطاع الفلاحي، ومن يُشد الرحال إلى الرباط لمواكبة آخر الإصدارات الأدبية والفكرية، يتبدى وجه المغرب المتعدد، الذي لا يفصل بين من يزرع الأرض ومن يكتب الكتاب، بل يدرك أن النهضة الحقيقية تبدأ من تكامل الأدوار لا من تعارضها.
في النهاية، ليس المطلوب أن نختار بين الشعير والشعر، بل أن نعي أن التنمية لا تقوم فقط على الإنتاج المادي، كما أن الوعي لا يُبنى فقط بالكلمة المنفصلة عن الواقع. فكما تحتاج البلاد إلى من يفلح الأرض، هي بحاجة إلى من يفلح الفكر.
إنه درب مزدوج لا تستقيم فيه خطوة دون الأخرى.