التغيّر الاجتماعي ينهي نظام الطعام التقليدي.

ل.شفيق/إعلام تيفي:

يعد موضوع التغذية أحد أفضل المجالات البحثية بالنسبة للدارسين و الممارسين للعلوم الاجتماعية، خصوصا لما يعرفه من تحولات جوهرية يفرضها القرن الجديد المضطرب و المليء بالتحديات، و تكمن قوة المقاربة السوسيوأنثروبولوجية بالنسبة لهذا المجال في القدرة على كشف الجوانب الأساسيّة و الخفية لعمليّة تناول الطعام في المجتمع، فمن خلال تحليلها لموضوعات الطعام يمكن تحديد الطبقات الاجتماعية، و الانقسامات الفكرية، و التميّزات العرقية بمجتمع معين، كما قد تخول لنا دراسة موضوع الطعام من الكشف عن مدى عمق اللامساواة الاقتصادية، و إبراز دفء الترابط الانساني و قوة القرابة العائلية و الكيفيات التي يُستخدم بها الطعام و الشراب كرموز في الطقوس الدينية و الثقافية.
و نشير إلى أن مجتمعنا حتى وقت قريب كانت الحياة الأسرية تدور فيه حول الطعام ، المحدد من خلال ثقافة الصحن المشترك و المنتظم في الزمن ( وقت الوجبات محدد)، و غالبا ما يتم إعداده في المطابخ المنزلية، غير أن التغيّر الاجتماعي و كما عرفناه في مقالات سابقة، أدار النظام الغذائي بشكل كلي، فعلى الصعيد الدولي لم تعد عملية انتاج و تسويق الأغذية تتم على المستويات المحلية و أصبحت الصناعات الغذائية عابرة للحدود الدولية، كما أن محالات الوجبات السريعة و متاجر السوبر ماركيت تتزايد بوثيرة سريعة خصوصا في المدن الكبرى.
و ارتبط هذا التزايد الكبير في استهلاك الأكلات الجاهزة و السريعة، بتحول ملحوظ في الهندسة المرفيولوجية للغُرفة المطبخ في الشقق الجديدة، فأصبحنا اليوم إزاء ما يطلق عليه بالمطبخ الأمريكي(Cuisine Americaine)، أي تواجد مساحة صغيرة بالمنزل للوضع الأواني و القيام بعملية اعداد الطعام، هذه العملية التي أصبح الأزواج الجدد من الطبقات المتوسطة، يعتبرونها طقس حميميا يتم في فترات متباعدة و بشكل غير دائم في الحياة الزوجية.
و كما تبين في الفقرة الأولى أن الطعام من الناحية الأنثروبولوجية هو نتاج تنظيم المجتمع و مرآته، فالتحول في النظام الغذائي، هو يجعلنا نسائل الأسس الاجتماعية و القيميّة لتمظهرات نظام الأكل في مجتمعنا، وقد نجد بعض ما نريد في شهر رمضان خصوصا بالسنوات الأخيرة، فرمضان الذي كان شهرا لتجديد الصلة و الاحتفاء بالموائد المنزلية، و تعبير مجسد لقوة الرابط الاجتماعي عبر الولائم العائلية، التي تقام في لحظات الافطار لحظة غروب الشمس، لتقديم ما تيسر من الأطباق المحلية الأصلية.
و في الوقت نفسه يجعله أرباب المطاعم و محلات الأكلات السريعة فترة اجازة و عطلة، أو ظرفا لإصلاح محلاتهم و اعادت تأثيثها، بحكم أن غالبية أفراد المجتمع يحافظون على نظام الأكل المنزلي في هذه الفترة، أصبح هو المؤشر الأبرز لفهم و تفسير التغيُّر الاجتماعي من خلال أسلوب الطعام ومدى تأثيره على الثقافة و القيم.
و في هذا الصدد كان العنوان الأبرز في السنين الأخيرة لهذا الشهر هو ( رمضان البوفيهات )، فمعظم المطاعم لم تعد تُسِنُ تقليد اغلاق المحل في رمضان بل أصبحت تستعمل استراتجية البوفيه لإستقطاب الزبائن من خلال وضع مجموعة واسعة من الأكلات و الأطباق العالمية في موائد مفتوحة للجميع، تحت طائلة يمكنك أكل ما تستطيع حتى وقت محدد، مستخدمين في هذا الجانب المرتبط بالجوع الجسدي في طقس الصيام لدى الأفراد.

و تساهم أسباب أخرى في مسألة التغير الاجتماعي، غير أن نظام الطعام ليس بمعزول عن التحولات الاجتماعية الكبرى التي يشهدها المجتمع،خصوصا أن تجليات ضعف و هوان رابط الوشائج التواصلية و الحوارية المفقودة اليوم بين أفراد الأسرة ترتبط به. خصوصا أن الفردانيّة المتزايدة قسمت أوقات الأكل بالمنزل و جعلت أفراد الأسرة لا يجتمعون على مائدة أو صحن مشترك بشكل يومي و دائم.

من اللافت أن يكون نظام الأكل قصدية منسية في التغيّر المجتمعي، الذي مهما كان سريعا، فهو لا يأتي طفرة لكن له ارهاصات و علامات، تلزمنا فهمها و تحليلها كي تستتب لدينا رؤية شاملة، لإيجاد الوسائل الضرورية لخوض ركاب التغيير الاجتماعي مع الحفاظ على خصوصيتنا و تقاليدنا الثقافية .
مصطفى أيت المعطي.

زر الذهاب إلى الأعلى