تحسّن لافت في جاذبية المغرب للاستثمار.. لكن سقف الترتيب العاشر يظل عائقًا (تقرير)

حسين العياشي
رغم القفزة اللافتة التي حققها المغرب في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2024، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 55% مقارنة بالعام السابق، إلا أن هذه الدينامية لم تنعكس بعد على موقعه في خريطة الاستثمار الإفريقية، حيث اكتفى بالمركز العاشر ضمن ترتيب القارة. مفارقة تضع الاقتصاد المغربي أمام معادلة دقيقة: إنجاز كمي بارز يعكس عودة ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال الوطنية، لكنه في الوقت ذاته يكشف أن الطريق نحو الريادة لا يزال محفوفًا بتحديات بنيوية تتعلق بجاذبية المناخ الاستثماري، وفعالية الإصلاحات، وتوزيع الفرص بين الجهات والقطاعات. المغرب إذن، في لحظة مفصلية بين صعودٍ واعدٍ وطموحٍ مؤجل.
في هذا السياق، سجلت المملكة تدفقات استثمارية بلغت 1,64 مليار دولار، أي بزيادة 55 في المئة مقارنة بسنة 2023، ما يجعلها من بين الدول الإفريقية الأكثر تحقيقًا للنمو في هذا المجال. ويُعزى هذا الأداء، وفق التقرير، إلى نجاح المغرب في تنويع قاعدته الصناعية وتثبيت موقعه كمنصة إقليمية للتصنيع بفضل استراتيجية دقيقة ارتكزت على قطاعات السيارات والطيران والإلكترونيات والمكونات الصناعية.
لم يكن هذا التقدم وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية اقتصادية متكاملة جعلت من المملكة نقطة جذب للمجموعات الدولية الكبرى مثل Renault وStellantis وLear وYazaki. هذه الشركات عززت حضورها في المغرب بفضل منظومة صناعية محلية قوية وبنى تحتية من الجيل الجديد، أبرزها المناطق الحرة في طنجة المتوسط والقنيطرة.
وتشكل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب وقربه من أوروبا، إلى جانب شبكة اتفاقياته التجارية الواسعة — مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعدد من الدول الإفريقية عبر اتفاقية ZLECAf — رافعة أساسية جعلت من المملكة بوابة طبيعية نحو الأسواق الإفريقية الصاعدة.
إلى جانب التصنيع، تتجه بوصلة الاستثمارات نحو الطاقات الخضراء التي أصبحت ركيزة أساسية لجاذبية المغرب. التقرير الدولي أشار إلى مشاريع ضخمة مثل مجمع نور ميدلت II، وتوسعة الحقول الريحية في طرفاية، والمبادرات المتقدمة في الهيدروجين الأخضر التي تحظى بدعم مالي أوروبي وخليجي متزايد.
وبفضل رؤية وطنية واضحة تروم بلوغ 52 في المئة من إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بحلول 2030، بات المغرب وجهة مفضلة لصناديق الاستثمار والمؤسسات المالية العالمية المهتمة بالتحول الطاقي.
رغم المؤشرات الإيجابية، يؤكد التقرير أن المغرب لا يزال بعيدًا عن ذروة أدائه السابقة عندما تجاوزت الاستثمارات الأجنبية 3 مليارات دولار سنويًا. ولتحويل الدينامية الحالية إلى نمو مستدام، شدد تقرير “The African Exponent” على ضرورة تعميق الإصلاحات الإدارية، وتبسيط المساطر، وتحسين الشفافية التنظيمية، وتعزيز الربط بين الجهات. هذه الخطوات، وفق الخبراء، كفيلة بجعل المغرب ليس فقط منصة صناعية للتصدير، بل أيضًا مركزًا إقليميًا للاستثمار على مستوى شمال القارة.
على الصعيد القاري، سجلت إفريقيا سنة 2024 رقمًا قياسيًا قدره 97 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، أي بزيادة 75 في المئة عن العام السابق. هذا الارتفاع الكبير يعود أساسًا إلى مشروع ضخم في مصر هو اتفاق تطوير منطقة رأس الحكمة بقيمة 46,58 مليار دولار مع الصندوق السيادي الإماراتي “ADQ”.
وتصدرت مصر التصنيف، تلتها كوت ديفوار وموزمبيق وأوغندا والكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا، بينما حلّ المغرب عاشرًا خلف غانا والسنغال وناميبيا.
لكن الأهم ليس الترتيب في حد ذاته، بل الزخم التصاعدي الذي يميز الاقتصاد المغربي، إذ تعد نسبة الارتفاع البالغة 55 في المئة من الأعلى في القارة. وهي إشارة إلى عودة ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المغربي، وفي استمرارية سياساته الصناعية والطاقية.
وإذا ما استمرت هذه الوتيرة، يتوقع أن يتقدم المغرب في التصنيف الإفريقي سنة 2026، مدفوعًا بالمشاريع الكبرى المرتقبة في مجالات الهيدروجين الأخضر، والتنقل الكهربائي، وتطوير البنيات المينائية، لترسخ المملكة موقعها كبوابة إفريقيا الاقتصادية الجديدة.