تصريحات الدريوش..إنجازات على الورق وواقع يُكذِّبه ارتفاع الأسعار وهشاشة البحّار

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في الوقت الذي تصرّ فيه كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري على تسويق خطاب الإنجاز، مؤكدة “تحقيق العدالة الاجتماعية للبحارة” و”تعميم التغطية الصحية”، و”تطوير أسواق الجملة”، يواجه المستهلك المغربي واقعا مغايرا: أسعار ملتهبة، وأسواق فوضوية، وسمك شعبي لم يعد في متناول فئات واسعة من المجتمع.

وأوضحت زكية الدريوش بمجلس المستشارين اليوم الثلاثاء (6ماي 2025) أن المغرب يحقق طفرة كمية في الإنتاج، وتحقيق صادرات بقيمة 31 مليار درهم، وتوسيع التغطية الاجتماعية للبحارة، وإطلاق مبادرات مثل “الحوت بثمن معقول”. لكن، وللمفارقة، يظل المواطن المغربي عاجزا عن شراء كيلوغرام من السردين الذي يُفترض أنه الأرخص.

وواقع السوق ينسف بشكل صارخ ما يُقدَّم من أرقام براقة. إذ يكفي القيام بجولة في أسواق المدن أو القرى لمعاينة اختلالات بنيوية صارخة: غياب الرقابة، انتشار الوسطاء، غياب الشفافية في التسويق، وتنامي ظاهرة الاحتكار. كل هذه العوامل تكشف عن فجوة بين السياسات المعلنة وواقع الاستهلاك اليومي.

وأوضحت الدريوش أن كتابة الدولة عملت منذ سنة 2017 على تعميم التغطية الاجتماعية والصحية على جميع البحارة، سواء في قطاع الصيد الساحلي أو التقليدي، بنسبة 100%، وهو ما مكّنهم من الاستفادة من جميع خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بما في ذلك التعويضات العائلية، والتأمين الصحي، والتقاعد، وكذا التأمين عن حوادث الشغل، تطبيقاً لمقتضيات القانون رقم 12.18، الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2018.

وكشفت الدريوش عن مستجد يتعلق بالبحارة الموسميين الذين لم يكونوا يستوفون شروط الاستفادة من تعويضات الشيخوخة. وأوضحت أن تعديل القانون المتعلق بالنظام الاجتماعي أتاح لهم اليوم إمكانية الاستفادة من معاش التقاعد ابتداءً من 1320 يوم تأمين فقط، بدلاً من 3240 يوماً كما كان معمولاً به سابقاً. وهو ما يشكّل خطوة اجتماعية حقيقية لفائدة شريحة واسعة من العاملين في هذا القطاع.

وأضافت المسؤولة الحكومية أن الصيادين العاملين على متن السفن في إطار عقود عمل يستفيدون بدورهم من مختلفالخدمات الاجتماعية، مما يعكس – حسب قولها – الاتزام بترسيخ العدالة الاجتماعية في قطاع طالما عانى من التهميش وعدم انتظام العلاقات الشغلية.

غير أن هذه التصريحات، رغم أهميتها، تطرح عدة تساؤلات حول مدى نجاعة هذه السياسات على أرض الواقع. فرغم تعميم التغطية الاجتماعية، لا تزال شكاوى بعض البحارة تتواصل بشأن صعوبات في التسجيل، أو عدم انتظام التصريحات بالأجور، أو صعوبة الولوج للخدمات الصحية في بعض المناطق الساحلية. كما أن مراقبة تطبيق القانون من طرف المشغلين، خاصة في قطاع الصيد التقليدي، تبقى محدودة، وهو ما قد يحدّ من فعالية هذا التعميم.

ورغم أهمية هذه الإجراءات، فإن واقع البحّار المغربي لا يزال يرزح تحت ثقل الهشاشة، فالتغطية الاجتماعية وحدها لا تكفي لمواجهة ظروف العمل القاسية، وانعدام الاستقرار المهني، وغياب الحماية الحقيقية في فترات التوقف أو الحوادث الكبرى. كما أن تطبيق القوانين في الميدان غالباً ما يصطدم بضعف المراقبة، وعدم التزام بعض أرباب السفن، مما يجعل كثيراً من البحارة خارج دائرة الاستفادة الفعلية.

وأكدت الدريوش، أن استراتيجية أليوتيس حققت نتائج هامة، لعل أبرزها ارتفاع الكميات المفرغة من 1.14 مليون طن سنة 2010 إلى 1.42 مليون طن سنة 2024، بنسبة نمو لا تتجاوز 2%.

وأوضحت أن القيمة المالية لهذا الإنتاج ارتفعت من 6.7 مليار درهم سنة 2010 إلى حوالي 16 مليار درهم سنة 2024، بمعدل نمو بلغ 6.6%. كما كشفت عن انتعاش ملحوظ في صادرات القطاع التي بلغت 29 مليار درهم سنة 2024، مقارنة بـ13 مليار درهم سنة 2010، مسجلة معدل نمو سنوي يقدر بـ5.7%.

لكن رغم هذه المؤشرات الرقمية، فإن تقييم هذه الاستراتيجية يستدعي قراءة نقدية معمّقة تتجاوز الأرقام إلى ما يعيشه المواطن المغربي يومياً.
فمن غير المفهوم أن تحقق بلادنا هذه الأرقام القياسية في الإنتاج والصادرات، وتحتل الرتبة 13 عالمياً والأولى إفريقياً في إنتاج الثروة السمكية، ومع ذلك يظل السمك غائباً عن موائد عدد كبير من المواطنين بسبب غلاء الأسعار.

لا جدال في أن المغرب يُعد قوة بحرية إقليمية، يتصدر دول إفريقيا والعالم العربي في تصدير المنتوجات البحرية، ويحتل المرتبة 13 عالمياً بين الدول المنتجة للأسماك. أرقام وزارة الصيد تُظهر أن سنة 2023 وحدها شهدت تصدير 847 ألف طن من الأسماك نحو 138 دولة، بعائدات فاقت 30.87 مليار درهم.

غير أن هذه الأرقام اللامعة سرعان ما تخفت عند الحديث عن نصيب المواطن المغربي من هذا الغنى البحري؛ إذ لا يتجاوز معدل استهلاك الفرد 14 كيلوغراماً سنوياً، 90% منها من السردين وبعض الأنواع الرخيصة كـ”الكابايلة” و”الشرغو”، مقابل معدل عالمي يبلغ 21.5 كيلوغرام. واقع يطرح سؤالاً ملحاً: لمن تُنتج الثروة السمكية في المغرب؟

في شهر رمضان الماضي، عرفت أسعار الأسماك بجميع أنواعها ارتفاعا مهولا، ما خلف موجة من الاستياء في صفوف المواطنين المغاربة. وشهدت أسعار بعض الأنواع من الأسماك ارتفاعا كبيرا تزامنا مع شهر رمضان الكريم، خصوصا “الكروفيت والصول والكلمار”، أي الأسماك التي يتم استهلاكها بشكل كبير خلال هذا الشهر المبارك.

ووصل سعر الكروفيت إلى 140 درهما، بينما تراوح سعر “السردين” بين 16 و20 درهما، ووصل سعر الصول لـ 120 درهما، بينما تراوح ثمن “الفرخ” ما بين 50 و60 درهما، في حين بلغ ثمن “الكلامار” 140 درهما.

ورغم أن المغرب يمتلك واحدة من أكبر الثروات البحرية على مستوى العالم بفضل سواحله الممتدة على 3500 كيلومتر وموارده الغنية، إلا أن الواقع يعكس تناقضًا كبيرًا بين وفرة الأسماك وارتفاع الأسعار في السوق المحلية.

ويصطاد المغرب سنويًا حوالي 1.42 مليون طن من الأسماك، 60% منها موجهة للصناعة التحويلية التي يتم تصدير أغلبها إلى 138 دولة حول العالم، أما الكميات المتبقية، و40% مخصصة للاستهلاك المحلي.

في حين ارتفعت الصادرات المغربية من المنتجات البحرية إلى 31 مليار درهم سنة 2023، مقابل 13,22 مليار درهم سنة 2010، وهو ما يمثل معدل نمو سنوي يقدر بـ7 في المائة.

ومع اقتراب فصل الصيف، يُسجَّل إقبال متزايد على استهلاك الأسماك والمنتوجات البحرية، خاصة في المطاعم والمقاهي والفنادق، وفي المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والاحتفالات العائلية. هذا الطلب الموسمي المرتفع ينعكس بشكل مباشر على الأسعار، حيث تعرف العديد من أنواع الأسماك ارتفاعاً ملحوظاً، ما يزيد من عبء المصاريف على الأسر المغربية، خصوصاً في ظل تراجع القدرة الشرائية.

هذا الارتفاع في الطلب لا يقابله دائماً عرض كافٍ ومستقر، لأسباب متعددة منها ظروف البحر، والتغيرات المناخية، وضعف تنظيم قنوات التوزيع، إضافة إلى مظاهر الاحتكار والمضاربات التي تؤثر سلباً على استقرار الأسعار. في مثل هذه الفترات، يصبح التساؤل مشروعاً حول مدى قدرة الجهات الوصية على التدخل لضبط السوق وحماية المستهلك من الزيادات العشوائية وغير المبررة.

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى