تضريب صناع المحتوى..لماذا غابت شجاعة الحكومة و البرلمان في مواجهة عمالقة التكنولوجيا؟

عبد الواحد زيات*

يشهد العالم تحولات جذرية بفعل الثورة الرقمية، وقد أفرزت هذه الثورة اقتصادا جديدا قائما على البيانات والمعرفة. وفي قلب هذا الاقتصاد، برزت منصات التواصل الاجتماعي كقوة مؤثرة، حيث استطاعت أن تخلق ملايين المليارديرات الجدد. ومع هذا النمو الهائل، برزت مسألة العدالة الضريبية، خاصة مع فرض ضرائب على صناع المحتوى، في حين تستمر الشركات العملاقة العابرة للقارات على مستوى شبكة الانترنيت في تحقيق أرباح خيالية دون أن تخضع لنفس المستوى من الرقابة الضريبية و كأن صناع المحتوى هم من يملكون تلك المنصات.

في المغرب، مثلا، شهدنا مؤخرا إقرار قانون يفرض ضرائب على دخل صناع المحتوى، وهو قرار أثار جدلا واسعا. فمن جهة، يدعو هذا القرار إلى تحقيق العدالة الضريبية، ومن جهة أخرى، يثير تساؤلات حول سبب استهداف صغار المنتجين، في حين تستمر الشركات العملاقة مثل غوغل وفيسبوك وأمازون انستغرام و تطبيقات النقل ، وتطبيقات بوكين التي تشتغل في قطاع السياحة العالمية ، وتطبيقات الأكل… في تحقيق أرباح طائلة دون أن تخضع لقرار التضريب من حيث ما تجنيه من المغرب و الذي يكون بالعملة الصعبة وإن كان على التشريع الدولي أن يلزم هذه الشركات العملاقة في مجال فضاء الأنترنيت على أداء الضريبة بما تتحصل عليه من ارباح من الدول .

وفي ذات السياق يطرح سؤال لماذا تستهدف الحكومة صناع المحتوى دون الشركات العملاقة و التطبيقات العالمية ؟

يبدو أن هناك غيابا للشجاعة الحكومية و البرلمانية في مواجهة هذه الشركات العملاقة. خاصة أن هذه الشركات لها قدرات مالية وتقنية هائلة لكنها تتمتع
بحرية في ممارسة التجارة الإلكترونية ، في اعتقاد ان مواقع التواصل الاجتماعي و التطبيقات خارج نطاق التقنين الضريبي .
وهو ما يتطلب من الحكومة و البرلمان اعتماد آليات و إجراءات تجعلها خاضعة للضريبة عوض هذا التساهل الذي يحرم ميزانية الدولة من مداخيل كبيرة تشكل فيها هذه المنصات و التطبيقات العالمية واجهة من واجهات التجارة الإلكترونية ، خاصة أن ميزانيات كبيرة ترصدها قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل كسب عدد المشاهدات وهذا يطرح بدوره تبرير حكامة صرف المال العام ، هل تسويق أنشطة القطاعات الحكومية المؤدى عنها على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي له نص قانوني يبرر هذا الصرف لا محدود وبلا قانون ، و الذي أضحى تقليد وعادة مستعملة من طرف عدة مؤسسات تجعل المال العام يخرج بالعملة الصعبة من خلال إشهارات على مواقع التواصل الاجتماعي .

أليست هذه الشركات و التطبيقات تجني أرباحا من خلال نشاطها على مستوى شبكة الانترنيت .
إن فرض ضرائب على صغار صناع المحتوى دون الشركات الكبرى يساهم في تعميق الفجوة في غياب العدالة الضريبية ، حيث سيحمل صغار المنتجين عبء الضرائب، في حين تستمر الشركات الكبرى في تحقيق أرباح طائلة دون أن تساهم في تمويل الخدمات العامة.
وهذا سيثني الشباب عن ريادة الأعمال: قد يؤدي فرض ضرائب مرتفعة على صناع المحتوى إلى ثني الشباب عن ممارسة ريادة الأعمال في المجال الرقمي، مما يؤثر سلباً على الابتكار والنمو الاقتصادي.
إلى جانب تقويض المنافسة العادلة: إن إعفاء الشركات العملاقة من الضرائب يمنحها ميزة تنافسية غير عادلة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يهدد بتقويض المنافسة في السوق.
أن تستمر الحكومة في فرض ضرائب على شركات وطنية بالأساس و مقاولات متوسطة و صغرى و يتم إستثناء شركات عالمية عملاقة رأسمالها على المستوى الرقمي يتأكد أن إعداد القانون المالي يهمل جانب كبير
من الأموال لا رقابة للدولة عليها ، ولا ضريبة تحصل عليها ،و كأن الدولة و الحكومة تمسك قرون البقرة و الشركات العالمية صانعة مواقع التواصل الاجتماعي ، و التطبيقات تحلب أموالا بالعملة الصعبة .
لذلك فإن فرض ضرائب عادلة على جميع الأطراف: يجب أن تخضع فيه جميع الشركات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، لنفس النظام الضريبي .
و هو ما يتطلب تعزيز التعاون الدولي لوضع آليات دولية لفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات والتي تشتغل على الفضاء الرقمي .
في المقابل يجب على الحكومة أن تقدم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على النمو والتنافس مع الشركات الكبرى.
أما فرض ضرائب على صناع المحتوى دون الشركات العملاقة هو إجراء غير عادل وغير منطقي . ويجب على الحكومة أن تتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة هذه الشركات العملاقة وأن تفرض عليها ضرائب عادلة. إن تحقيق العدالة الضريبية هو شرط أساسي لاستحضار أن العالم الرقمي تدور فيه إستثمارات مالية كبيرة . و على القطاعات الحكومية أن تتوقف في صرف الأموال العامة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأنه لا يوجد نص قانوني يمنحها الصرف في مجال الإشهار عبر هذه المنصات الجديدة إلا من خلال الإشهار في الصحافة الورقية او الرقمية وعلى المجلس الأعلى للحسابات أن يجعل صرف القطاعات الحكومية و العديد من المؤسسات لعملية الإشهار على مواقع التواصل الاجتماعي مدفوعة من المال موضوع افتحاص مالي .

*رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button