تعديل المسطرة الجنائية هل يمكن ان يكون تطبيعا مع الفساد؟

نجوى القاسمي
أثار مشروع القانون رقم 03.23، المتعلق بتعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية، جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية والقانونية، خصوصًا فيما يتعلق بالتعديلات المقترحة على المادة 3 التي تُقيّد بشكل ملحوظ إمكانية إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في قضايا الجرائم الماسة بالمال العام.
وفق الصيغة المعدلة، لا يمكن مباشرة الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية بشأن هذه الجرائم إلا بناء على إحالة أو طلب مشفوع بتقرير من جهات رسمية محددة، أبرزها المجلس الأعلى للحسابات، المفتشيات العامة، أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. ويستثنى من ذلك فقط حالة التلبس.
انتقادات حادة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي
في تقريره حول مشروع القانون، وجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي انتقادات لاذعة للصيغة المقترحة، معتبرا أنها تقوّض عددا من المبادئ الدستورية وتضعف فعالية الدولة في محاربة الفساد.
وأبرز ما ورد في التقرير أن التعديلات تتعارض مع مبدأ الولوج إلى العدالة، إذ رأى المجلس أن المشروع يمس بحق المواطن في اللجوء إلى القضاء كما يكفله الفصل 118 من الدستور.
كما أشار إلى أن النص يقصي المجتمع المدني من أدواره في التبليغ والمراقبة، مما يُخالف الفصل 12 من الدستور، وكذا روح اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تدعو إلى تعزيز مشاركة الأفراد والهيئات في رصد الجرائم.
من جهة أخرى، حذر المجلس من تهديد استقلالية القضاء، خصوصا في ما يتعلق بصلاحياته في مراقبة المال العام، ما يشكل إخلالا بمقتضيات الفصلين 107 و117 من الدستور.
أما بخصوص شرط التلبس، فقد اعتبر التقرير أن تفعيله في مجال الجرائم المالية أمر صعب التحقيق، بالنظر إلى طبيعة هذه القضايا المعقدة التي نادرا ما تضبط في حالة تلبس كما تنص على ذلك المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية.
تخوفات من تعطيل مكافحة الفساد
اعتبر المجلس أن ربط تحريك الدعوى بتقارير من جهات محددة فقط قد يؤدي إلى إبطاء الإجراءات القضائية وتعطيل متابعة المسؤولين المتورطين في قضايا اختلاس أو تبديد المال العام. كما يُضعف هذا المقتضى من قدرة النيابة العامة على التحرك تلقائيا، حتى في الحالات التي تتوفر فيها أدلة قوية، ما يشكل تراجعا عن روح الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية في البلاد.
التبليغ يبقى ممكنا لكن بشروط
رغم هذه القيود، أشار المجلس إلى أن التبليغ عن الجرائم المالية لا يزال ممكنا للأشخاص الذاتيين والمعنويين عبر الهيئة الوطنية للنزاهة، والتي يمكنها بدورها إحالة الشكايات إلى النيابة العامة بعد فحصها. ومع ذلك، فإن هذه المسطرة لا تعوض الصلاحية الأصلية للنيابة العامة في التحريك المباشر للدعاوى، كما تنص عليه المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية.
ختم المجلس ملاحظاته بالتأكيد على ضرورة انسجام السياسات العمومية في مجال الحكامة مع مقتضيات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي جعلت من تقوية المتابعة والزجر أحد محاورها الأساسية. ودعا إلى إعادة النظر في صيغة المادة 3 المعدلة، لضمان الشفافية، صيانة المال العام، واستقلالية القضاء.