تغطية الشمس بالغربال.. جدل الغلاء وتنافس أحزاب الأغلبية!!

نجوى القاسمي
تشهد الساحة السياسية والاقتصادية في المغرب توترات متزايدة، مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين واحتدام الجدل بين مختلف الفاعلين السياسيين، بمن فيهم أحزاب الأغلبية نفسها. وبينما كانت المعارضة في العادة تقود انتقاد الحكومة، يبدو أن أطرافا من الأغلبية الحكومية بدأت تتبنى خطابا معارضا في محاولة لاستعطاف الشارع المغربي وتمهيدا لحملات انتخابية مسبوقة.
الأغلبية تعارض نفسها؟
وسط هذه الأزمة، خرجت أحزاب من داخل الأغلبية الحكومية بانتقادات لاذعة للحكومة، في مشهد سياسي غير مألوف، حيث يبدو أن هذه الأحزاب تحاول النأي بنفسها عن مسؤولية الوضع الحالي واستمالة تعاطف الشارع.
فقد نظم حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة، ندوة بمدينة أكادير حول “ارتفاع الأسعار في المغرب”، دعا خلالها إلى تعزيز المراقبة وضبط الأسواق. بدوره، أصدر حزب الأصالة والمعاصرة بلاغا شديد اللهجة يطالب الحكومة بالضرب بيد من حديد على “الوسطاء المفسدين”. أما حزب الاستقلال، فقد انتقد أمينه العام ووزير التجهيز والماء، نزار بركة، استمرار ارتفاع الأسعار، محملا المضاربين مسؤولية الغلاء وداعيا التجار إلى “تقوى الله” في المواطنين.
هذا التنافس السياسي المبكر بين أحزاب الأغلبية يعكس، حسب العديد من المحللين، صراعا محموما على التموقع استعدادا لما بات يعرف بـ”حكومة المونديال” المقبلة، في إشارة إلى الانتخابات القادمة التي تسبق كأس العالم 2030.
غلاء الأسعار.. معاناة متصاعدة
شهدت ولاية حكومة عزيز أخنوش ارتفاعا مهولا في أسعار العديد من المواد الأساسية، حيث سجلت أسعار زيت الزيتون زيادة قاربت 100%، بينما تجاوزت أسعار زيت المائدة 42%، وارتفع سعر الشاي بنسبة 33%. كما أصبحت الأسماك التي تعد من الثروات الطبيعية المهمة للمغرب خارج متناول العديد من المواطنين، بسبب موجة التصدير المكثف الذي يستفيد منه السوق الدولي أكثر من المستهلك المحلي.
حتى الخضروات والقطاني لم تسلم من موجة الغلاء، إذ شهدت أسعار البصل والبطاطس ارتفاعا بنسبة 100%، بينما تجاوزت أسعار الفواكه مثل الموز حاجز 100%. وحتى المواد الأساسية لغذاء الفقراء، مثل القطاني، شهدت ارتفاعا بنسبة 33%.
في المقابل، تعزو الحكومة هذه الزيادات إلى ما أسمته “ثالوث الأزمة”، المتمثل في تداعيات حرب أوكرانيا، موجات الجفاف، والتضخم، بينما يراها المواطنون مجرد تبريرات لسياسات اقتصادية غير ناجعة.
احتجاجات وغضب شعبي
في ظل هذا الوضع المتأزم، اندلعت احتجاجات واسعة بإقليم صفرو، حيث شهدت الأسواق حالة من الفوضى وتوقفت الحركة التجارية تدريجيا بعد أن بدأ المواطنون بالتعبير عن رفضهم لارتفاع الأسعار، بدءا من السمك، ثم اللحوم، قبل أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل جميع السلع المعروضة في الأسواق.
ويشير العديد من المراقبين إلى أن هذه الأزمة ليست مجرد نتيجة لظروف خارجية، بل تتعلق أيضا بسياسات داخلية سمحت للمضاربين باحتكار الأسواق، خاصة بعد قرار تحرير الأسعار سنة 2015، الذي ساهم في تفاقم المشهد الحالي.
التصدير أولا.. والمواطن آخرا
يبدو أن الحكومة تولي اهتماما أكبر للأسواق الخارجية على حساب تلبية احتياجات السوق الداخلية، حيث يستعد 15 مصدرا مغربيا للخضر والفواكه للقيام بجولة تجارية في سنغافورة وماليزيا في أبريل 2025، بحثا عن أسواق جديدة. ويأتي هذا في وقت يعاني فيه المغاربة من غلاء الخضر والفواكه، مما يزيد من حدة الغضب الشعبي تجاه السياسات الاقتصادية الحالية.
كما كشف محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أن 70% من الإنتاج السمكي المغربي يتم تصديره إلى الخارج، وهو ما يحرم المواطنين من الاستفادة من الثروة البحرية المحلية.
لم تسلم حتى أسعار الدواجن من التقلبات، حيث أكد رئيس الجمعية الوطنية لمربي دجاج اللحم أن انخفاض الأسعار خلال شهر رمضان يُكبّد المربين خسائر فادحة، تصل إلى أكثر من 5 دراهم للكيلوغرام الواحد، في ظل غياب إجراءات حكومية لدعم المدخلات الأساسية للإنتاج مثل الأعلاف المركبة والكتاكيت.
الحكومة بين الإنكار والاتهام
عند مواجهة الحكومة بحقائق الوضع الاقتصادي، تلجأ إلى وصف هذه التقارير “بالأخبار الزائفة”، وتعتمد على تبريرات الحرب الأوكرانية، الجفاف، والتضخم، متجاهلة أن تحرير الأسعار منذ 2015 ساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمة.
في ظل هذا الوضع، يتساءل العديد من المواطنين: هل الحكومة تخشى مواجهة المضاربين؟ أم أن الخطابات السياسية المتضاربة بين مكوناتها ليست سوى محاولة لتغطية الشمس بالغربال؟