تغطية لحظية.. حين تغيب النخب والمجتمع المدني

بشرى عطوشي
في وقتٍ تشهد فيه قضية الصحراء المغربية دينامية دبلوماسية غير مسبوقة، حيث تسارع وزارة الخارجية الخطى بحنكة واقتدار نحو تثبيت الحقوق التاريخية للمملكة، يُلاحظ وبكل أسف غياب مريب أو خجول للتفاعل السياسي والمدني وحتى الإعلامي، مع هذه التحركات المفصلية. وكأنما ما يجري في الكواليس الأممية، أو بين العواصم المؤثرة، لا يرقى لدرجة الخبر الوطني العاجل!
في زمن باتت فيه الحروب تُربح بالدبلوماسية الناعمة، يخوض المغرب معركة مصيرية بأدوات هادئة، يقودها رجال دولة بخبرة وهدوء، ينتزعون الاعترافات، يرسّخون الشرعية، ويكسبون الحلفاء… ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام لا تتجاوز في تغطيتها حدود البلاغات الرسمية، لا تحليل، لا نقاش عمومي، لا استقصاء في العمق. يُكتفى ببضع سطور عابرة، كما لو أن هذه المكاسب تحصيل حاصل.
والأدهى من ذلك، أن الباحثين والمحللين السياسيين – الذين اعتادوا الحديث عن أي تحرك خارجي بشغف – صاروا أسرى التكرار، يرددون ما اعتادوا قوله، وكأن لا جديد في الأفق. أين القراءات الإستراتيجية؟ أين المقاربات المقارنة؟ أين مساءلة الخطاب العدائي الخصومي؟ لا شيء، سوى صمت يكاد يكون تواطؤًا ضمنيًا مع الفراغ.
أما الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، فلا صوت يُسمع. لا مبادرات موازية، لا تعبئة داخلية، لا انخراط في المعركة الرمزية التي ينبغي أن تُخاض بالتوازي مع الدبلوماسية الرسمية، اللهم بعض الأنشطة القليلة، كأن ملف الصحراء بات شأنًا حكوميًا صرفًا، لا يخص الوطن بكل أطيافه.
إن قضية الصحراء المغربية ليست فقط ملفًا سياسيًا، بل هي امتحان وطني يومي، يُقاس فيه مدى وعي النخب بدورها، وحجم التزامها بقضايا السيادة. وحين تصمت هذه النخب، وتترك الوزارة وحدها في ميدان المعركة، فإن الخلل يصبح جليًا: معركة تُخاض من طرف واحد، وسط صمتٍ يثير الريبة.
إن الدينامية الدبلوماسية المغربية لا تحتاج فقط إلى دعم تقني، بل إلى تعبئة شاملة، إعلامية، ثقافية، مدنية. فكل انتصار خارجي يحتاج إلى صدى داخلي، وكل بيان رسمي يستدعي تفسيرًا وترويجًا وامتدادًا في وعي المواطن.
التعاطي الكسول مع أهم قضية وطنية، فراغ قاتل، فلن يربح المغرب معركة السيادة فقط بالحضور في نيويورك أو بروكسيل، بل أيضًا بالحضور في عقول أبنائه، وفي ضمير نخبه.