تفريغ السياسة وتجريم المنتقدين.. تحديات القرن الواحد والعشرين

 

بقلم الرحالي عبد الغفور

في زمن الانقلابات السياسية والصراعات الحزبية الضارية، باتت السياسة تشبه ساحة معركة لا تُرحم. فبدلاً من أن تكون منبراً لطرح البرامج والرؤى الوطنية، تحولت إلى ساحة للتنافس على السلطة والنفوذ بأي ثمن. وفي هذا السياق، أصبح المنتقدون والمعارضون السياسيون عرضة للتجريم والتشويه، بهدف إسكات أصوات الاختلاف والنقد البناء.

إن تحويل السياسة إلى مجرد صراع على المناصب والامتيازات، دون الالتزام بالبرامج والمبادئ، قد أفرغها من محتواها الحقيقي. فبدلاً من التركيز على القضايا الحقيقية التي تهم المواطنين، أصبحت السياسة مجرد لعبة للسيطرة والهيمنة. وهذا ما يفسر ظاهرة تجريم المنتقدين والمعارضين، باعتبارهم تهديداً لهذه المصالح الضيقة.

إن وصف المنتقدين والمعارضين السياسيين بألفاظ تحقيرية مثل “مخربون” و”مشوشون” هو محاولة لإسكات أصوات النقد والاختلاف. فبدلاً من الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة والتعامل معها بموضوعية، يتم تصويرهم كأعداء للنظام السياسي. وهذا يتنافى مع مبادئ الديمقراطية والحرية.

أمثلة على الممارسات المثيرة للقلق
– في بعض الدول، تم سجن ناشطين سياسيين وصحفيين بتهم “التشويش على الأمن الوطني” أو “إثارة الفتنة”، وذلك بسبب انتقادهم للسياسات الحكومية. وكأن الحقيقة جريمة يُعاقب عليها!
– في دول أخرى، تم استخدام قوانين “مكافحة الإرهاب” كغطاء لملاحقة المعارضين السياسيين وتقييد حرية التعبير. فأصبح النقاد يعيشون تحت وطأة الخوف والترهيب.
– كما شهدنا في بعض الأحيان حملات إعلامية ممنهجة لتشويه سمعة المنتقدين والتشكيك في نواياهم. فالحقيقة أصبحت رهينة للمصالح السياسية والحزبية.
إن تفريغ السياسة من محتواها الحقيقي وتجريم المنتقدين والمعارضين هي ممارسات خطيرة تهدد التطور الديمقراطي والاجتماعي للمجتمعات. ويتطلب مواجهة هذه التحديات تعزيز ثقافة الحوار والاختلاف البناء، واحترام حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان. فقط بهذه الطريقة يمكننا بناء مجتمعات أكثر عدالة وتقدماً، تسوده قيم الحرية والكرامة والمساواة. فالسياسة ليست ميداناً للصراع والتنافس، بل هي مسؤولية وطنية تُمارس بالحكمة والرؤية البعيدة.

*الكاتب و المحلل السياسي

زر الذهاب إلى الأعلى