تقارير حقوقية تكشف أعطاب بنيوية تهدد حق المواطنين في العلاج

حسين العياشي
بين مستشفيات متداعية، ونقص حاد في الأطباء، وممارسات مشبوهة تنخر القطاع، يجد المواطن المغربي نفسه اليوم أمام واقع صحي متأزم، يهدد أبسط حقوقه الأساسية في العلاج والحياة الكريمة. هذا ما خلص إليه تقرير حديث صادر عن المركز المغربي لحقوق الإنسان، الذي دق ناقوس الخطر إزاء الوضع المتردي الذي يعيشه القطاع الصحي العمومي، معتبراً أن الأزمة لم تعد مجرد خلل ظرفي، بل أزمة بنيوية عميقة تعكس سوء التدبير وغياب رؤية استراتيجية واضحة من جانب الدولة.
التقرير وصف المستشفيات العمومية بأنها “فضاءات للمعاناة” بدل أن تكون مراكز للعلاج. فالإهمال، وسوء التسيير، وانتشار الفساد، كلها عوامل جعلت هذه المؤسسات عاجزة عن أداء دورها. احتجاجات متكررة أمام مستشفيات الدار البيضاء وأكادير وزاكورة تجسد الغضب الشعبي، بينما تظل الحوادث المأساوية، مثل وفيات الأمهات والرضع، مؤشراً على عمق الخلل.
الفساد، بحسب التقرير، يشكل أحد أخطر الأوجه التي تعيق القطاع. فحادثة اختفاء معدات طبية من مستشفى بتازة وبيعها بشكل غير قانوني للقطاع الخاص، والتي أفضت إلى اعتقال 12 شخصاً، ليست سوى نموذج. كما يتحدث التقرير عن ممارسات يومية من قبيل فرض شراء الأدوية من صيدليات محددة أو قبول رشاوى للحصول على خدمات يفترض أن تكون مجانية، فضلاً عن تعامل مهين من بعض العاملين مع المرضى.
الأرقام تكشف حجم الأزمة: لا يتجاوز عدد الأطباء في القطاع العمومي 15 ألفاً، أي أربعة أطباء فقط لكل عشرة آلاف نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بضعف هذا المعدل على الأقل. ومع استمرار نزيف هجرة ما بين 600 و700 طبيب سنوياً، يحذر المركز من أن المغرب قد يواجه عجزاً يناهز 50 ألف طبيب بحلول 2035.
أما على المستوى المالي، فإن ميزانية الصحة لسنة 2025 لا تتجاوز 5% من الميزانية العامة، وهي نسبة هزيلة مقارنة بالتحديات القائمة، تكرس العجز الهيكلي وتحد من قدرة القطاع على مواكبة حاجيات المواطنين.
تقرير المركز أشار أيضاً إلى التفاوت الصارخ بين المدن الكبرى والمناطق الهامشية. ففي حين تجد بعض المدن خدمات متواضعة على الأقل، تعاني مناطق مثل بولمان وأزيلال وتنغير من غياب شبه تام للمستعجلات أو الأطباء المتخصصين، ما يضطر السكان إلى التنقل لمسافات طويلة في ظروف قاسية بحثاً عن العلاج.
في ضوء هذا التشخيص القاتم، أوصى المركز المغربي لحقوق الإنسان بضرورة إقالة وزير الصحة الحالي وتعيين شخصية كفؤة ذات رؤية لإدارة القطاع، إلى جانب إحداث لجنة وطنية متعددة التخصصات تضع خطة إصلاح شاملة. كما دعا إلى رفع ميزانية الصحة تدريجياً إلى 10% من الإنفاق العمومي بحلول 2030، كشرط أساسي لإعادة الثقة للمواطنين وضمان الحق الدستوري في الصحة.
الأزمة، كما خلص التقرير، ليست قدراً محتوماً، لكنها نتيجة تراكمات وإخفاقات متتالية. غير أن تجاوزها يقتضي إرادة سياسية حقيقية، وخطة إصلاحية جذرية تضع الإنسان في صلب أولويات السياسات العمومية، بعيداً عن منطق الترقيع والحلول المؤقتة.