تقرير يكشف عن ضعف الحكامة وتحديات الاستغلال المستدام للمقالع في المغرب

فاطمة الزهراء ايت ناصر
يشكل قطاع المقالع في المغرب أحد الأعمدة الأساسية لدعم الأنشطة العمرانية ومشاريع البنية التحتية، إلا أن طريقة تدبيره تثير العديد من علامات الاستفهام، سواء من حيث آليات منح التراخيص أو من حيث فعالية أنظمة المراقبة.
وخصص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريراً مفصلاً حول هذا الموضوع، سلّط فيه الضوء على مجموعة من الاختلالات البنيوية التي تعوق حكامة هذا القطاع وتحد من مردوديته التنموية والبيئية.
من أبرز الإشكاليات التي رصدها التقرير، تعقيد وبطء مساطر منح التراخيص، حيث يتم إشراك عدد من المتدخلين دون تنسيق محكم، ما يؤدي إلى التداخل في الصلاحيات وغياب المساءلة. كما أن غياب بوابة إلكترونية موحدة لتقديم وتتبع طلبات التراخيص يفتح الباب أمام أشكال من المحسوبية والتمييز بين المستثمرين، ناهيك عن أن بعض المقالع تشتغل خارج الإطار القانوني مستفيدة من ثغرات في المراقبة أو ضعف تفعيل العقوبات.
أما على مستوى المراقبة، فأبرز ما يميزها هو ضعف التنسيق بين الأجهزة المعنية، وقلة الموارد البشرية المؤهلة، إضافة إلى محدودية الوسائل اللوجستيكية والتقنية الضرورية لتتبع الأنشطة الميدانية. وأشار التقرير إلى أن المراقبة تظل في كثير من الأحيان شكلية أو ظرفية، لا تستند إلى نظام تتبع صارم أو قاعدة بيانات محينة. وهذا الواقع يسمح باستمرار أنشطة غير قانونية، وباستغلال جائر يضر بالبيئة والمجتمعات المجاورة.
وتترتب عن استغلال المقالع، حسب التقرير، آثار بيئية خطيرة، أبرزها تدهور الغطاء النباتي، وتغيير مجاري المياه، وتفاقم ظواهر التعرية، إلى جانب التلوث الناتج عن الغبار والضجيج وحركة الشاحنات. كما تسجل الساكنة المجاورة معاناة يومية بسبب هذا النشاط، في ظل غياب الحوار المجتمعي أو آليات تعويض حقيقية، مما يخلق شعوراً بالإقصاء وانعدام الإنصاف المجالي.
من جهة أخرى، تسجل مؤسسات الرقابة والمجتمع المدني صعوبة كبيرة في الولوج إلى المعلومات المرتبطة بالمقالع، مثل عدد التراخيص، حجم المواد المستخرجة، أو المداخيل الضريبية، وهو ما يُضعف من الشفافية ويحول دون قيام رقابة مجتمعية فعالة. ويؤكد المجلس على أن نشر المعطيات هو شرط أساسي لضمان المحاسبة وبناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
وفي سبيل تجاوز هذه الاختلالات، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتوحيد مساطر الترخيص عبر رقمنة شاملة تسهّل الولوج وتُقلص آجال المعالجة، مع اعتماد معايير بيئية صارمة لتحديد المناطق المؤهلة للاستغلال. كما دعا إلى إنشاء هيئة وطنية لتنسيق عمليات المراقبة، وتزويد الفرق الميدانية بالتكوين والتجهيز اللازمين، واعتماد تكنولوجيا تتبع متقدمة مثل الجيولَتية لمراقبة تحركات الشاحنات وكميات المواد المستخرجة. وشدد التقرير على أهمية إشراك الجماعات الترابية في تدبير هذا القطاع، وتخصيص جزء من مداخيله لدعم المشاريع المحلية وتحقيق العدالة المجالية.
ويعكس واقع المقالع في المغرب حاجة ملحة لإصلاحات عميقة تعيد الاعتبار للمصلحة العامة وتوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. ويتطلب هذا الإصلاح رؤية استراتيجية تتقاطع فيها الإرادة السياسية مع نجاعة المؤسسات ووعي المواطنين، من أجل ضمان استغلال مسؤول ومستدام للموارد الطبيعية.