حكومة المونديال

بقلم د. عبد الله أبو عوض*
شعار المقاربة الحزبية في تداول المرحلة القادمة، إذ استحقاقات 2026 رهان كل الأحزاب السياسية لولوج السباق الانتخابي نحو الاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الاستحقاقات التشريعية، وقد بدء العد التنازلي لخوض غمار التقريب في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية، مع اختلاف البرامج التي تصب في مجملها نحو إقناع الناخب الذي صار يرى في السياسة مجامع للبهتان وقضاء المصالح الخاصة وسوء الأخلاق ومعارج النفاق، لذا فالتحدي القادم ليس كباقي التجارب السابقة التي تعتمد على كلاسيكيات العمل الانتخابي في بروز طفيليات الانتخابات وتكرار وجوه الزينة البرلمانية في كراسي الجمود، أو في سماسرة المعلومة للتهيئة المجالية التي تمنح للسياسيين في المجالس الجماعية المنتخبة الاغتناء السريع ، أو الفئة التي ترى في السياسة ذلك الشيخ الزاهد الذي يفتي بحلال كل ما حل في اليد ولو على حساب المواطن الفقير في أخلاقه وثقافته، بل هي مرحلة انتقالية تفرض سيادة تجويد العمل السياسي وتقريب الحلول بما هم عملي ملموس دون وعود لما هو هوائي آفاق، ليكون عنوان المرحلة القادمة هو عنوان الانتقال المسؤول لتفعيل العمل السياسي الجاد الخالي من الوعود الكاذبة، وذا مصداقية عمل يبرهن تطلعات الناخب في تصويته على المنتخب.
فحكومة المونديال كما تم تدوال هذا المصطلح، يختلف الانطباع الرئيس عند متلقيه، بكونه مرتبط بكأس العالم المنظم من قبل المغرب وإسبانيا والبرتغال، أي الاقتصار على تفسيره بحكومة كرة القدم، وهو معنى سليم في تسويقه عند العوام، دون الخواص، وخاصة في غياب شرف العمل السياسي عند أسماك القرش في محيط الانتخابات، حيث ينتعشون وينعشون الغوغاء بهذا الترويج السطحي، جعل من نماذج ذلك مثلا، العقار والاستثمار السياحي ، حيث صار جزء من تفقير المحتاج للسكن، تحت مسمى الإعداد لضيوف كرة القدم، دفع بالمتعطشين العقاريين إلى تسريع وثيرة البناء مع الزيادة في أسعار منتجاتهم بأثمنة صارت في الخيال أكثر واقعية من الواقع وهو ما دفع بسحب المواطن المستغبى مسحولا نحو القروض البنكية لسكن لا يتجاوز ما هو اقتصادي مقبور، ليبقى أسير توقيعه ربع قرن من عمره، لأن المنعش العقاري ( الذي هو بالمناسبة، ليس من الأعيان، لأن الأعيان هم أهل العلم وليس الإسمنت) يستشرف المستقبل الزاهر لمقاولاته باسم المونديال، وهكذا قس على ذلك، بل إن الأمر لو لم يكن للألطاف الإلاهية دخل فيها، لتم تخزين الخضر والقطاني والفواكه واللحوم والأسماك من طرف البعض لاستثمارها في مرحلة المونديال، وبالعودة لحكومة المونديال، من السذاجة أن نربطها بالمستديرة فقط ساحرة الأغلبية ، وإلا سيكون ما بعد شهر المونديال، مونديال من نوع آخر يؤجج سؤال الدخل الفردي، وتحسين مستوى العيش، والاستشفاء والتنمية المجالية والبنية التحتية وجلب الاستثمارات، ومسارات العيش الكريم، لأن هؤلاء المنتعشين من السياسة، على الرغم من ضعف تكوينهم الوطني المرتبط قلبا وقالبا بخدمة الوطن، ينبغي تجريدهم من العمل السياسي لكي يكون الهدف من السباق نحو حكومة المونديال، من يعرف بحق فلسفة الرؤية من هذه التظاهرة باعتبارها وسيلة لتحقيق التنمية العامة والشاملة، وهي تفرض أن تتدخل الإرادة السيادية لمؤسسات الدولة لتفرض سير الإيقاع العام الذي يسمح بتنظيم ودعم من يستحق أن يخوض غمار العمل السياسي، بعيدا عن شعارات تختبىء وراء الديمقراطية وحقوق الإنسان.
حكومة المونديال ليس من يأخذ الأغلبية فقط، وينسج تحالفات تخول له الحق في تشكيل حكومة سيكون لها شرف تنظيم واستقبال الكرة المستديرة على البساط الأخضر، بل هي حكومة ستتحمل مسؤولية النضج السياسي، والتحول الرقمي، والعيش الكريم، والمؤسسات المواطنة، التي تستوفي حق المواطنين وتدعم واجباتهم.
هي الحكومة التي تستوعب مواجهة التحديات بما يتوافق مع سير النمو الذي سيكون قبل المونديال وضمان تطوره واستمراره بعد المونديال، هي الحكومة التي ستقف أعمدتها على سياسيين شرفاء لا يستنزفون خيرات الوطن، ولا يشرعونون الكذب والمكر والبهتان والخديعة والأيمان، ولا يمتهنون السياسة وكأنها إرث خالد في محياهم وكل ذلك تحت مسمى السياسة.
بل سياسيون صادقون شرفاء عاملون، يحترمون السياسة وفلسفتها الخالدة، ينجحون في استقطاب الشباب لخوض غمار السياسة بآداب الرجال وأخلاق النسل الشريف، ليكون لحكومة المونديال مبتغاها السليم في خدمة الوطن والمواطن.
إذن هي حكومة فاعلة سيكون لها مجموعة من الفرق الصعبة التي عليها تجاوزها لتكون ذات مصداقية أمام الله تعالى وأمام الوطن وأمام ملك البلاد، وكل هذه الفرق تشكل تحديا، على رأسها، الشغل وفرص العيش الكريم، ثم التعليم ونفوق الجهل ومحاربته، ثم الصحة لسير الإنتاج في الطريق القويم.
*أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية، رئيس المنتدى المغربي الدولي للإعلام والاتصال