حين تصبح القراءة غير كافية.. المغرب أمام أمية من نوع آخر

نجوى القاسمي

أن تدرس رجلا في الخمسين كما تدرس طفلا في الثامنة، فذاك اختزال لفشل يتكرر كل عام برامج محو الأمية في المغرب، رغم ما تحققه من تقدم رقمي، ما تزال تسير على خطى متعثرة بسبب غياب رؤية بيداغوجية تناسب الكبار، وتفتقر إلى موارد بشرية مؤهلة، قادرة على التعامل مع فئات عمرية وتجارب حياتية معقدة.

المندوبية السامية للتخطيط كشفت في آخر تقرير لها، ضمن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، عن تراجع نسبة الأمية إلى 24.8%، مقارنة بـ32.2% سنة 2014. خاصة في صفوف النساء وسكان القرى، حيث انخفضت الأمية في الوسط القروي من 47.5% إلى 38%، وفي الوسط الحضري من 22.6% إلى 17.3%. كما سجلت النساء تحسنا من 42.1% إلى 32.4%، والرجال من 22.2% إلى 17.2%.

لكن خلف هذه الأرقام، واقع أكثر تعقيدا. فحين تدقق في التفاصيل، تجد أن أكثر من 7.5 ملايين مغربي فوق سن 15 سنة لا يعرفون القراءة والكتابة، بحسب المجلس الأعلى للحسابات، رغم رصد حوالي 3 مليارات درهم لبرامج محو الأمية بين 2015 و2023.

حيث تؤكد تقارير متطابقة أن العديد من الجمعيات المتعاقدة مع الدولة تفتقر إلى أبسط أدوات التكوين الإداري، البيداغوجي والتواصلي.دروس تقدم للكبار بذهنية تناسب الصغار، في فضاءات مدرسية غير محفزة، وبتقنيات تعليمية لا تراعي الفروق العمرية أو النفسية أو الاجتماعية.

وما يزيد الوضع تعقيدا، هو الارتباط الوثيق بين الأمية والتقدم في السن. إذ ترتفع النسبة بشكل حاد بعد سن الخمسين لتبلغ 51%، مقابل 1.6% فقط عند الأطفال دون 15 سنة. وهذا ما يؤكد الحاجة الماسة إلى برامج متخصصة في تعليم الكبار، تستند إلى مقاربات تشاركية، وتحترم إيقاع المتعلم البالغ وتجربته.

في المقابل، سجل التقرير تحسنا لافتا في متوسط سنوات التمدرس، الذي انتقل من 4.4 سنوات سنة 2014 إلى 6.3 سنوات في 2024، بفضل جهود تعميم التعليم. ومع ذلك، يظل التفاوت المجالي والجنسي حاضراً، حيث بلغ المعدل في المدن 7.9 سنوات مقابل 3.2 سنوات في القرى، و7.3 سنوات للذكور مقابل 5.2 سنوات للإناث.

أما في الفئة العمرية من 12 إلى 14 سنة، فقد بلغ معدل التمدرس 92.8%، مع تقارب شبه تام بين الجنسين 93.4% للذكور و92.1% للإناث، في مؤشّر على تقلص الفجوة النوعية التي كانت واضحة سنة 2014.

ففي زمن تتحول فيه المجتمعات بسرعة نحو الاقتصاد الرقمي والمعرفة، لم تعد القراءة والكتابة كافيتين لاعتبار الإنسان متعلما. فاليوم، الأمية لم تعد تُقاس فقط بالأبجدية، بل بعدم امتلاك المهارات الأساسية لمواجهة تحديات العصر. التنمية الحديثة تحتاج إلى رأسمال بشري مؤهل، مبدع، وقادر على الابتكار، لا مجرد متلق للمعرفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى