خوصصة مقنّعة للمرافق العمومية.. وحقوق ساكنة طنجة خارج حسابات العمدة

حسين العياشي
من طنجة التي وُعدت بفضاءاتٍ عمومية تليق بإيقاعها وطموحها، تتوالى الوقائع التي تُقزِّم حقّ الساكنة في مرافقهم العمومية وتدفعهم إلى هامش. بأي حق تحوّل المرافق العمومية إلى مشاريع خاصة؟ كيف تنتزع المدرسة العمومية، وتُبدَّل بمدرسة خصوصية؟ لما تُسحب حقوق الولوج الى الخدمات العمومية من المواطنين باسم الاستثمار؟ لماذا هذا الإقصاء الممنهج لصوت السكان، وهم أصحاب المصلحة الأولى في ما يُبنى ويُدار داخل أحيائهم؟ ومن الذي يمهّد لأصحاب المشاريع السكنية المجال على حساب حقٍّ مكفولٍ بالدستور والوجدان؟
مرة أخرى، تفجّرت شكاوى من داخل تجزئة «لا بريري ROSE 2» بمنطقة بوبانة التابعة ترابياً لمقاطعة طنجة-المدينة، بعد أن أقدمت الشركة العقارية صاحبة المشروع على تغيير وظيفة مرفقٍ مشترك مخصّص للملاّك. فالمكان الذي صُمّم أصلاً «فضاءً للعب الأطفال» تحوّل إلى نادٍ رياضي للكبار مفتوح في وجه العموم، بما يعني عملياً نقل المرفق من خدمة الساكنة إلى خدمة سوقٍ خارجي لا تربطه بالحي سوى بوابة الدخول.
وفق روايات متطابقة لعدد من المالكين، تبدّلت طبيعة العيش اليومية داخل المجمع السكني. فقد غدا فضاءٌ كان يخص الأطفال والعائلات مفتوحاً أمام وافدين يمارسون رياضة البادل، وما يصاحب ذلك من حركة مستمرة وصراخ وضجيج يمتدان من الساعة العاشرة صباحاً حتى ساعات الليل، وتشتدّ وطأتهما خلال تنظيم منافسات رياضية يشارك فيها عدد كبير من اللاعبين والمتفرجين. وبينما خسر الأطفال ملعبهم، وجد السكان أنفسهم أمام ضغطٍ إضافي على الممرات ومواقف السيارات ووتيرة الهدوء في بيوتهم.
السكان يرون أن ما وقع ليس مجرد “تعديل استعمال”، بل مَسّ بحقوق الملكية المشتركة وبتصور المشروع كما قُدِّم لهم عند الشراء. يتحدثون عن غياب التشاور المُسبق، ويعتبرون أن قرار فتح المرفق للعموم ضربٌ لخصوصية المجمع ولحق القاطنين في السكينة التي يدفعون مقابلها تكاليف التسيير والصيانة. كما يلفتون إلى أن تحويل التركيبة الوظيفية للمكان يقتضي، في الحد الأدنى، مساطر واضحة ومعلنة، لا قرارات مباغتة تُنزَّل أولاً ثم تُبرَّر لاحقاً.
هذه الواقعة ليست منفصلة عن سلسلة اختلالات مشابهة أثارتها ساكنة أحياء أخرى في طنجة، حيث يُنقَل المرفق من خدمة المنفعة العامة إلى منطق العائد الربحي، فيما يتراجع حضور الشفافية والمشاركة المواطِنة. هنا تتبدّى الفجوة بين خطاب الوعود بمدينة دامجة وعادلة في مرافقها، وبين ممارسات تُقصي المعنيين الأوائل بما يطرأ على بيئتهم المباشرة من تغييرات.
ويؤكد المشتكون أنهم ليسوا ضد الرياضة ولا الاستثمار، بل ضد أن يجري كل ذلك على حساب حقوق الجوار ومن دون ضوابط. مطالبهم محددة: إما إعادة المرفق إلى وظيفته الأصلية كفضاء للأطفال يحفظ هوية الحي وغايته السكنية، أو وضع إطار استعمال صارم يحمي السكينة العامة، يشمل تحديد مواقيت واضحة، واعتماد عزلٍ صوتي فعّال، وتنظيم الولوج بحيث لا تُحوَّل التجزئة إلى مرفق مفتوح للجميع على مدار اليوم.
كما يدعون الجهات المعنية إلى تحمّل مسؤوليتها كاملة: مراقبة احترام دفاتر التحملات وأنظمة الملكية المشتركة، نشر المعطيات المرتبطة بتغيير الاستعمالات على الملأ، وفتح قنوات تواصل فعلية مع الساكنة قبل اتخاذ القرارات لا بعدها. فالمسألة، في جوهرها، اختبار لجدية الحكامة المحلية: هل تُدار المدينة بمنطق الشراكة واحترام الحقوق، أم تُترك التفاصيل التي تصنع جودة العيش رهينة صفقاتٍ وتعديلاتٍ تُمرَّر بصمت؟
بين مطلب السكينة وضرورات الاستثمار مسافة تُجسَّر بالحوار والقانون لا بفرض الأمر الواقع. والرسالة التي يبعث بها سكان «ROSE 2» واضحة: أعيدوا الاعتبار لوظيفة المرفق كما تعاقدنا عليها، أو نظّموا استغلاله بما يضع حقّ الساكنة أولاً. فالمدينة لا تُبنى على حساب أهلها، وأي تنميةٍ تُقصيهم تُفرغ المرافق من معناها قبل أن تملأها بالمستفيدين.





