خيانة من الداخل.. اختلاس بملايين الدراهم يكشف ثغرات في النظام البنكي الرقمي

حسين العياشي
هزّة جديدة ضربت القطاع البنكي المغربي، وهذه المرة من داخل أحد رموزه في الابتكار المالي. ففي مدينة مراكش، تبيّن أن مدير وكالة معتمدة استغل ثغرة داخلية في منصة «Damancash»، التابعة رقمياً لبنك «BMCE»، ليحوّل إلى حسابه الشخصي أكثر من 10 ملايين درهم، في عملية احتيال كشفت هشاشة منظومة كان يُفترض أن تمثل عنوان الثقة والأمان.
القضية لم تكن اختراقاً إلكترونياً من خارج النظام، بل تلاعباً من داخل المؤسسة نفسها. تشير المعطيات الأولية إلى أن المدير استغل صلاحياته الداخلية ونقطة ضعف في النظام الرقمي للمنصة، لتنفيذ تحويلات مالية متكررة ودقيقة، دون أن تثير انتباه أنظمة المراقبة أو التحذير الآلي. هذه العمليات استمرت أسابيع قبل أن تُكتشف، ما يطرح تساؤلاً مقلقاً: كيف مرّ هذا التلاعب تحت أعين منظومة رقابة يفترض أن تُرصد فيها كل حركة مالية؟
التحقيقات الجارية كشفت سلسلة من الإخفاقات البنيوية: إجراءات رقابية لم تُفعَّل، غياب التحقق المزدوج، وضعف في أنظمة المراقبة الآلية. مزيج قاتل من التهاون والثقة العمياء في نظام يُقدَّم على أنه حصين، لكنه ترك ثغرة كفيلة بتقويض صورته.
لكنّ الخسارة الأكبر لا تُقاس بالأرقام. فالزلزال الحقيقي أصاب ثقة الزبناء والرأي العام في مؤسسة طالما رُوّج لها كرمز للتطور الرقمي الآمن. هذا الحدث لم يضرب فقط ميزانية بنك، بل ضرب صميم العلاقة التي يقوم عليها العمل المصرفي: الثقة. إذ تذكّر هذه الواقعة الجميع بأن الخطر في العصر الرقمي لا يأتي دائماً من الخارج، بل قد ينبع من داخل الأسوار، من أولئك الذين يُفترض أنهم حراسها.
الفضيحة اليوم تمثل اختباراً صعباً لمصداقية القطاع البنكي المغربي. فإما أن تبادر إدارة البنك إلى مواجهة الأزمة بشفافية كاملة — عبر كشف الثغرات، وتحميل المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات التصحيحية — أو أن تختار الصمت، فتترك الشك ينخر الثقة التي بُنيت على مدى عقود. فالمبالغ المختلسة يمكن تعويضها، أما الثقة المفقودة، فاستعادتها تحتاج زمناً طويلاً وإصلاحاً عميقاً.
وما يزيد من خطورة الوضع أن التحقيقات لم تستبعد احتمال وجود متورطين آخرين أو شبكة داخلية أوسع ساعدت في تنفيذ التحويلات. إن صحّت هذه الفرضيات، فإن القضية قد تتحول إلى زلزال مؤسسي يفرض إعادة النظر في نماذج الحوكمة وآليات الرقابة المعتمدة داخل البنوك المغربية.
إن ما جرى ليس مجرد حادثة معزولة، بل ناقوس خطر يدقّ في وجه صناعة مالية تتسابق نحو الرقمنة دون أن تبني أساساً صلباً من الحذر والانضباط. لقد أثبتت هذه الواقعة أن التكنولوجيا مهما بلغت من التطور، لا يمكن أن تُغني عن اليقظة البشرية ولا عن الصرامة المؤسسية. فثغرة واحدة، ولو صغيرة، كفيلة بأن تُصدّع بناءً كاملاً شُيّد على الثقة.
				




