“دارت” ..حل جماعي لمواجهة الأزمات المالية في المجتمع المغربي

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في جلسة دافئة وسط صالون مغربي بسيط، اجتمعت النساء حول مائدة مزينة بأكواب الشاي بالنعناع وصحن مليء بالفطائر الساخنة.

كان الحديث يتنقل بين أخبار الأسرة وشؤون الحياة اليومية، لكن سرعان ما تحوّل إلى موضوع أكثر أهمية؛ “دارت”.

جلست خديجة، وهي أم لخمس اطفال اكبرهم فتاه تبلغ من العمر 19 سنة، تتابع بدقة أسماء المشاركات في اللائحة التي تحملها، إذ اتُّفق مسبقًا على أن تكون أول من يحصل على المبلغ، فهي في حاجة ماسة لتغطية مصاريف دراسة ابنتها في معهد خاص.

“هذه المرة سيساعدني المبلغ على دفع واجبات التمدرس دون الحاجة للاستدانة”، تقول خديجة وهي مبتسمة، وتضيف “عندما يأتي دوري في الحصول على المبلغ، أشعر براحة نفسية كبيرة، لأنني أعلم أنني لن أحتاج إلى اللجوء إلى البنوك أو الديون”.

وبالنسبة لفاطمة، شابة في منتصف العشرين، دارت وسيلة ادخار فعالة مكنته من تحقيق حلمها في فتح  محل للخياطة.

على مدار ثلاث سنوات، كانت تقتطع جزءًا من راتبها للمشاركة في “دارت”، وبفضل التزامه بهذا النظام، تمكنت من تجميع مبلغ مهم ساعدها على دفع الدفعة الأولى لكراء “كراج” لفتح محل لها.

وفي ظل التطور التكنولوجي، ظهرت نسخ حديثة من “دارت” تعتمد على منصات إلكترونية تجمع الأفراد وفق نظام آلي يضمن الشفافية والالتزام بالمواعيد. هذا النموذج الرقمي ساهم في تسهيل العملية، خاصة بين الأصدقاء أو أفراد العائلة الذين يعيشون في أماكن متفرقة، مما أتاح لمزيد من الأشخاص الاستفادة من هذا النظام دون الحاجة إلى لقاءات دورية.

“دارت” ليست مجرد معاملة مالية، بل هي انعكاس لروح التضامن المتجذرة في المجتمع المغربي. تختلف تسميتها من منطقة إلى أخرى بين “دارت”، “القرعة”، لكن مبدأها واحد؛ مجموعة من الأفراد يتفقون على المساهمة بمبلغ مالي ثابت شهريًا، على أن يحصل عليه أحدهم بالتناوب، إما عبر القرعة أو وفق ترتيب مسبق.

وغالبًا ما تُعطى الأولوية للأشخاص الذين لديهم التزامات مالية كبيرة مثل تكاليف العلاج، الزواج، أو شراء مستلزمات أساسية.

ويُعتمد هذا النظام خاصة بين العائلات، الجيران، أو زملاء العمل، حيث يتم اختيار شخص موثوق لجمع المال وتسليمه للمستفيد في كل دورة.

وتعتبر “دارت” نموذج ثقافي يعكس قيم التعاون والتضامن في المجتمع المغربي، خاصة بين الفئات ذات الدخل المحدود. تقوم على أساس الثقة بين الأفراد ، وحتى في حال حدوث إخلال بالاتفاق، غالبًا ما يتم الحل بطرق ودية بعيدًا عن النزاعات القانونية.

ويلجأ كثيرون إلى هذه الطريقة كبديل عن الاقتراض من البنوك أو وكالات التمويل، تجنبًا للفوائد التي يعتبرها البعض ربوية. كما يراها آخرون وسيلة فعالة لمواجهة الأزمات المالية دون الحاجة إلى التعامل مع المؤسسات المصرفية التقليدية.

ومع توسع نطاق هذه المعاملة، سبق أن أشار والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إلى أن انتشار “دارت” قد يعرقل جهود تعزيز الإدماج المالي الرسمي، حيث يعتمد الكثير من المواطنين عليها بدل اللجوء إلى القروض البنكية والخدمات المالية التقليدية.

ورغم شعبيتها الواسعة، أثارت “دارت” جدلًا فقهيًا حول مشروعيتها من الناحية الدينية. فقد أفتى العلامة المغربي الراحل محمد التاويل بعدم جوازها شرعًا، معتبرًا أنها تندرج ضمن “السلف بشرط السلف”، وهو ما يجعلها معاملة غير مشروعة وفقًا للفقه الإسلامي، لأنها تتضمن منفعة مشروطة للطرف المساهم، مما يجعلها أقرب إلى “القرض الذي جرّ نفعًا”، وهو محرم بالإجماع حسب رأيه.

وأضاف التاويل أن مفهوم السلف في الإسلام يجب أن يكون قائمًا على نية القربى إلى الله دون اشتراط أي منفعة مادية، في حين أن “دارت” تتأسس على تبادل مالي مشروط بين الأفراد، وهو ما دفعه إلى تصنيفها ضمن المعاملات غير الجائزة شرعًا.

رغم هذا الرأي الفقهي، لا تزال “دارت” تحظى بقبول واسع بين فئات المجتمع، خاصة لدى من يبحثون عن بدائل للقروض البنكية ويرون فيها حلاً عمليًا لتدبير احتياجاتهم المالية. كما يعتبرها البعض تجسيدًا لروح التكافل الاجتماعي، حيث تعتمد على الثقة المتبادلة بين المشاركين، مما يعزز الروابط العائلية والمجتمعية.

وبينما يستمر النقاش حول مشروعيتها، تظل “دارت” جزءًا من النسيج الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، حيث يعتمد عليها آلاف الأشخاص لتغطية مصاريفهم، سواء في التعليم، العلاج، أو حتى تحقيق مشاريع صغيرة، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الحصول على تمويل ميسر من المؤسسات المالية التقليدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى