“دعم استثنائي”… لأصدقاء الحظ الاستثنائي

اعلام تيفي
إعلام تيفي _ الرباط
منذ نهاية سنة 2022، وأحد أكثر المفاهيم تداوُلا في القاموس الحكومي هو “الدعم”.. دعمٌ مباشر، دعمٌ استثنائي، دعمٌ مشروط، دعمٌ مستورد.. ولأن المفردة تستهوي الآذان وتُشعر المواطن بشيء من الحماية النفسية، فقد تَكرّرت في الخُطب الحكومية أكثر مما تكرّر ذكر “الإصلاح”.
لكن المشكلة ليست في تكرار الكلمة، بل في تغييب معناها.
نحن هنا أمام واحدة من أكثر الملفات تعبيرا عن طريقة اشتغال هذه الحكومة.. قرار ضخم من حيث الأثر المالي، ضعيف من حيث الأثر الاجتماعي، وغامض من حيث الأثر السياسي.
دعم استيراد المواشي، في ظرفية حساسة اجتماعيا واقتصاديا، كان من المفترض أن يكون أداة لضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية. لكنه – ويا للمفارقة – أصبح موضوع نقاش عمومي، بل واستدعى مبادرة برلمانية لتقصي الحقائق.. فكيف تحوّلت آلية “إنقاذية” إلى مادة للريبة؟
المثير في القصة أن الحكومة – رغم التكاليف المصرّح بها والتي تُقدّر بملايير الدراهم – لم تجد وقتا لتقديم لائحة واضحة بأسماء المستفيدين، ولا كشف المعايير المعتمدة، ولا شرح نتائج هذا الدعم على الأسعار أو السوق أو المستهلك. كل شيء يتم تحت غطاء كثيف من “الثقة الزائدة بالنفس”، وكأن المال العام مساهمة اختيارية من دافعي الضرائب في حملة تضامن مع مستوردي المواشي.
أما الحديث عن تكافؤ الفرص، وعن المنافسة، وعن دور الحكومة في ضبط السوق، فيبدو أنه مؤجل إلى إشعار غير معروف.
وهنا بيت القصيد.. حين تصبح قرارات الدعم غير مصحوبة بالمعطيات، وغير مشفوعة بالتقييم، وغير مؤطرة بالشفافية، فإننا لا نكون أمام سياسة عمومية، بل أمام “تدبير بالعُرفْ”، قد يُرضي البعض، لكنه يُفقر السياسة، ويُربك الاقتصاد، ويُعمّق انعدام الثقة.
ولعل من أكثر ما يدعو إلى التأمل – لا إلى الاستغراب – هو أن رئيس الحكومة نفسه ينتمي إلى نفس الحقل الذي استفاد منه الدعم. وهو أمر لا يحتاج إلى صراخ أو تجريم، بقدر ما يحتاج إلى تفسير. لا يمكن لحكومة أن تدير ملفات بهذه الحساسية دون أن تشرح، تبرّر، وتُقنع.. لأن السياسة، في نهاية المطاف، ليست توزيعا للصمت، بل إنتاجا للثقة.
لكن يبدو أن الثقة، كالدعم، لها مستفيدون محددون.
وحتى ذلك الحين، ستستمر الحكومة في إقناع نفسها بأنها تحمي “المصلحة العامة”، بينما المواطن يواصل البحث عن تلك المصلحة في فواتير السوق… وفي قاع جيبه.