سجناء المعاناة..حراس السجون بين صمت الممرات وفوضى النزلاء

منير عطوشي

يعاني حراس السجون في المغرب من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة تؤثر سلبًا على صحتهم العقلية. ووفقًا لتقرير صادر عن نقابة أطر السجون بالمغرب، صرّح 56.9% من الموظفين بأنهم يعانون من الاكتئاب، في حين أبلغ 28.9% عن إصابتهم بأمراض نفسية وعصبية، بينما أكد 14.2% فقط أنهم في حالة نفسية جيدة.

فبين جدران السجون العالية، حيث تنعكس ظلال الزنازن على وجوه منهكة، يقف حراس السجون كخط دفاع أول بين النظام والفوضى. هم الجنود المجهولون الذين يواجهون يوميًا ضغوطًا لا يراها أحد، إلا أنها تترك أثرها العميق في نفوسهم. بين صمت الممرات وضجيج النزلاء، تتراكم الأعباء النفسية كأنها جدران أخرى تحاصرهم، فتجعل كل يوم يمر بهم اختبارًا جديدًا لصبرهم وقوتهم.

ليس من السهل أن يعمل الإنسان في بيئة محكومة بالتوتر الدائم، حيث الترقب والحذر يصبحان جزءًا من الروتين اليومي. ساعات العمل الطويلة تستنزف طاقتهم، وقلة الراحة تسرق منهم لحظات الهدوء التي يحتاجونها ليوازنوا بين حياتهم المهنية والخاصة. وبين هذه الضغوط، هناك من ينهار تحت ثقل الإرهاق النفسي، فتبدأ الأحلام تتلاشى، ويحل محلها الاكتئاب والصمت الطويل.

لكن ما يزيد الأمر تعقيدًا هو الخطر الذي يحيط بهم من كل جانب، فلا يقتصر الأمر على الإرهاق الجسدي، بل يمتد إلى تهديدات يومية تأتي من داخل السجون وخارجها. هناك من يتعرض للإهانة، ومن يجد نفسه في مواجهة غضب نزلاء مستعدين للانتقام، وهناك من يشعر أنه محاصر بين الجدران، تمامًا كما النزلاء الذين يراقبهم. ومع كل يوم يمضي، تزداد الأعباء، وتقل الحلول.

ورغم كل هذه المعاناة، يبقى الحراس صامدين، يقفون في أماكنهم، ينفذون واجبهم بلا تردد، لكنهم في أعماقهم يصرخون بصمت، يبحثون عن من يسمعهم، عن من يقدر تضحياتهم. يحتاجون إلى دعم نفسي يخفف من وطأة ما يعيشونه، إلى بيئة عمل تحفظ لهم كرامتهم وتمنحهم الأمان الذي يسهرون على تحقيقه لغيرهم. يحتاجون إلى قوانين تحميهم، إلى حقوق تضمن لهم حياة كريمة، إلى اهتمام حقيقي لا يكتفي بالوعود.

إنهم ليسوا مجرد موظفين، إنهم بشر يحملون على أكتافهم عبء نظام كامل، وإذا استمر تجاهل معاناتهم، فقد تتحول السجون إلى أماكن لا تحبس فقط المذنبين، بل تحطم أيضًا أرواح من يحمونها. فهل سيأتي اليوم الذي تُفتح فيه الأبواب، لا للخروج من السجن، بل للخروج من صمت المعاناة؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى