سياسة رياضية خارج الحسابات..بناء الدولة الاجتماعية يبدأ من محاربة الريع

بشرى عطوشي
قد تبدو حادثة فرار خمسة لاعبين من المنتخب المغربي لكرة اليد، خلال مشاركتهم في بطولة دولية احتضنتها بولندا، أمر لا يدعو للوقوف عنده مطولا.
البعض يقول بأن ما حصل هو فضيحة من العيار الثقيل، ستؤثر على الرياضة المغربية وصورتها عالميا، والبعض الآخر، يعتبرها خطوة جيدة بالنسبة للاعبين الفارين، ستحقق طموحاتهم ببلد تقدر حكومته المواهب، وتفتح لهم آفاقا أوسع للشهرة والعالمية، طبعا بعد حصولهم على الإقامة، وطبعا بعد جهد جهيد من أجل الاندماج وإيجاد فرصة للإقامة بهذا البلد.
من يقول أنها فضيحة ستؤثر على صورة الرياضة دوليا، فهي فعلا ستؤثر على صورة البلد رياضيا، وليست هي الأولى من نوعها، لأن هناك العديد من الرياضات الأخرى ككرة الطائرة، وألعاب القوى، والملاكمة، والكراتيه والجيدو والتايكواندو وغيرها من الرياضات، سبق وعرفت مثل هذه الفضائح، وسبق لعدد كبير من اللاعبين أن فروا إلى بلدان سافروا لها في إطار تظاهرات رياضية، لتعود الأندية والمنتخبات بناقص واحد أو إثنين أو أكثر، على غرار ما حصل مع المنتخب المغربي لكرة اليد.
مشكلة السياسة الرياضية بالمغرب، تتمثل في غياب تنزيل سياسة عمومية واضحة المعالم للنهوض بهذا القطاع الحيوي، فعبر الحكومات المتعاقبة لم يتم النظر إلى الرياضة كمجال ذي أهمية قادر على المساهمة في التنمية، أما الحديث عن تطوير اقتصاد الرياضة فكان منعدما، وظل القطاع الرياضي متأرجحا بين عدة وزارات.
يضاف إلى ذلك ضعف الحكامة بهذا القطاع، والنقص الذي يعانيه على مستوى التمويل والكفاءات البشرية ثم الصعوبات التي تعتريه على المستوى القانوني.
الملك محمد السادس أولى أهمية بالغة للرياضة بالمغرب، وتم عقد مناظرة وطنية للرياضة سنة 2008 بالصخيرات، افتتحتا بالرسالة الملكية الموجهة للمشاركين بهاته المناظرة، والتي تطرقت لمجموعة من الإشكالات التي تعاني منها الرياضة المغربية، ووضعت إثرها الاستراتيجية الوطنية 2008-2020.
وبغض النظر عن تفاصيل تطبيق هده الاستراتيجية، وإجمالا لا يزال أكثر من نصف المحاور والأوراش الهيكلية للاستراتيجية دون إنجاز، وذلك بسبب التنفيذ الجزئي والانتقائي لمقتضياتها، وهو الأمر الذي يعزى إلى أن الرياضة لا تحظى باهتمام الحكومة، وهو ما تبين من خلال تأرجح إلحاقها وتبعيتها لعدة وزارات، قبل أن تستقر تبعيتها لوزارة التربية الوطنية، بالإضافة إلى عدم استقرار التدبير.
تنزيل الاستراتيجية الوطنية للرياضة لم يتم في شكل سياسة عمومية، كما لم يتم مواكبتها ببرنامج بيداغوجي وخطة للتواصل.
تم فصل الاستراتيجية عن باقي القطاعات الأخرى، ولم يؤخذ بعين الاعتبار ضمنها المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية (التعليم، الاقتصاد، الصحة).
قطاع الشباب والرياضة لم يتلاءم البتة مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للرياضة، زد على ذلك ضعف تطوير منظومة المعلومات.
كما أن مؤشرات التتبع المتاحة تتسم بالقصور كما وكيفا، فضلا عن كونها تفتقد للدقة في كثير من الأحيان.
أوجه القصور التي تعتري السياسة الرياضية بالمغرب، تتدخل فيها كل القطاعات، فالرياضي البطل إذا وجد تعليما جيدا وتطبيبا ومستشفيات، ومنظومة إدارية متكاملة، وتوفرت له على الأقل مقومات العيش الكريم، ليمارس رياضته ويبدع فيها، ويعيش في إطار ما تطبل له الحكومة وما تسميه بالدولة الاجتماعية، لن يفكر البتة في الهجرة السرية “الحريك”، بمجرد أن تتاح له الفرصة.
من يعتبر خطوة “الحريك”، خطوة جيدة وفي صالح اللاعبين الفارين، فهو يرى الموضوع من زاوية أن هذه الكفاءات وستجد مكانها في الضفة الأخرى، إلا أن من يحقق هدفه هذا، يمر بعدد من الصعوبات والمعاناة وسط أناس ينبذ أغلبهم الأجانب.
معاناة تنتهي بمجرد اصطدامها بالإنسانية، وتقدير الكفاءات، وبمجرد ما يصبح المهاجر قادرا على الانصهار في مجتمع آخر.
إلا أن فكرة الهروب من جحيم الفقر والعوز والحاجة، ليست ولم تكن أبدا حلا متوازنا، لمحاربة الريع والفساد في أي مجال كان.
على الحكومات القادمة، أن تعلم بأن الشعارات والخطب الرسمية والسياسية، لا تطعم الشعوب إلا حقدا وكراهية، وعليها أن تكون صادقة في القادم من السنوات لأن المجتمع يعي جيدا بأن الفساد مهما تعمقت جذوره لا بد وأن يأتي يوم وتختنق بكثرة السقي.