شقير ل”إعلام تيفي”:”النخب الحزبية تحولت من إنتاج الوعي إلى إنتاج العجز”

فاطمة الزهراء ايت ناصر

كشف المحلل السياسي محمد شقير عن إحدى أبرز أوجه الأزمة التي يعيشها المشهد الحزبي بالمغرب، والمتمثلة في عقم النخب الحزبية فكرياً وتنظيمياً. فمنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بدأ التراجع الملحوظ في مستوى التأطير والتنظير السياسي، حيث انسحبت النخب الفكرية المنتجة للمعرفة، لتحل محلها نخب شعبوية عاجزة عن بلورة خطاب سياسي مقنع أو مقاربة تنظيمية فعالة.

وأكد شقير أن الحقل الحزبي المغربي، منذ نشأته في ثلاثينيات القرن العشرين، كان فضاءً لتفوق عدد من القيادات ذات الثقل الفكري والسياسي، مثل علال الفاسي، محمد بلحسن الوزاني وعبد الله إبراهيم، الذين لم يكتفوا بالممارسة السياسية، بل كانوا منتجين لمعارف سياسية عميقة أرست هوية الدولة الحديثة.

فعلال الفاسي، على سبيل المثال، دافع بقوة عن إصلاحات سياسية جوهرية تمكّن المغرب من بناء نظام ديمقراطي حقيقي. في كتابه “النقد الذاتي”، اعتبر أن البلاد ما تزال ترزح تحت “نظام من العصور الوسطى”، داعياً إلى تجاوز الإقطاع السياسي نحو نظام يضمن الحرية السياسية والمشاركة الفعلية للمواطنين.

أما الوزاني، فقد ركز في كتاباته على ضرورة إقرار الملكية الدستورية والتعددية السياسية، معتبراً أن تطور المغرب رهين بإصلاح الحكم وإعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع.

وأوضح شقير، فإن وفاة هؤلاء الرواد شكلت نقطة مفصلية في المشهد السياسي المغربي. فقد غابت معهم القدرة على إنتاج خطاب سياسي عقلاني ومهيكل، ليحل مكانهم جيل من الزعامات الحزبية التي تبنت خطاباً شعبوياً غارقاً في لغة العاطفة والتجييش، على حساب الواقعية السياسية والحلول العملية.

وتجلى هذا الانحدار حسب المحلل، مع بروز شخصيات مثل عبد الإله بنكيران، حميد شباط وإلياس العماري، الذين دخلوا المعترك السياسي بلغة هجومية ومفردات وضيعة أحياناً، حوّلت النقاش السياسي إلى مشهد فرجوي قائم على المبارزات الشخصية والسباب المباشر، كما حصل في وصف بنكيران لمخالفيه بـ”الميكروب” و”الحمار” خلال خطاب فاتح ماي 2025.

هذا الخطاب الشعبوي، وفق شقير، لم يؤد فقط إلى تبخيس السياسة والنقاش العمومي، بل ساهم أيضاً في تفريغ الأحزاب من أدوارها الأساسية كوسائط بين السلطة والمجتمع. ظهر ذلك بوضوح خلال حراك الريف، الذي كشف عجزاً فاضحاً للنخب الحزبية عن احتواء السخط الشعبي أو تأطيره سياسياً، ما أدى إلى مواجهة مباشرة بين المواطنين وأجهزة الدولة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى