شهادات عامل تكشف الغش في تنفيذ صفقة الإنارة بمكناس: أين هي الرقابة؟

حسين العياشي

كشف عامل في إحدى الشركات المكلفة بتنفيذ صفقة الإنارة بمدينة مكناس عن تفاصيل خطيرة تتعلق بتلاعبات في أشغال مشروع حيوي. المشروع، الذي تشرف على أشغاله الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع (AREP)، كان من المفترض أن يضيف إلى المدينة إنارة حديثة ومرافق تواكب التطور، إلا أن الأمور لم تسر كما كان متوقعاً.

وفي تصريحه لـ”إعلام تيفي”، يبدأ العامل شهادته بالحديث عن البداية المثالية للمشروع؛ حيث كانت الشركة تبدأ العمل في الأيام الأولى بتقيد صارم بالمعايير. كان تثبيت الأعمدة وتنفيذ باقي الأعمال يتم وفقاً لدفتر التحملات، مع التزام دقيق بكل الشروط المتفق عليها، بما في ذلك التقاط الصور وإجراء المعاينات اللازمة للتأكد من سير العمل بشكل سليم. في تلك الأيام، كانت الأمور تسير كما يجب، وكانت المعايير المهنية محط احترام وتقدير.

لكن سرعان ما بدأ الوضع يأخذ منحى مغايراً تماماً، روى العامل كيف بدأ يشهد تراجعاً تدريجياً في جودة الأشغال، ليس بسبب ظروف خارجة عن الإرادة، بل بسبب تلاعب الشركة في تطبيق المواصفات وتخفيضها المتعمد للمستلزمات والمواد المستخدمة. فقد بدأ مشهد التقليل من المواد يظهر بوضوح في موقع العمل، حيث كانت الأعمدة لا تثبت كما في البداية، وتم استخدام مواد أقل جودة، ألى درجة تعويض الإسمنت بالتراب، في حين أن عمليات المعاينة والتوثيق كانت تجرى كما لو أن كل شيء على ما يرام.

هذه التحولات في مسار المشروع أثارت استغراب العامل، الذي أشار إلى أن ما بدأ كمشروع يحترم المعايير المهنية تحول إلى مجرد عملية ربحية حيث بدأت الشركة تستغل غياب الرقابة والتراخي في متابعة الأعمال في الميدان. وكأن المشروع الذي كان في البداية يمثل فرصة حقيقية لتحسين البنية التحتية للمدينة أصبح فريسة للغش والاحتيال على حساب جودة العمل والمصلحة العامة.

الأسئلة التي تطرح نفسها هنا تتعلق بالدوافع وراء هذه التغيرات المفاجئة في سير المشروع. هل كانت هناك ضغوطات مالية أو اعتبارات ربحية دفعت الشركة إلى اتخاذ هذا المنحى؟ أم أن الأمر يعود ببساطة إلى غياب الرقابة الجادة على المشاريع الكبرى في المنطقة؟ في كل الأحوال، الواقع الذي كشفه العامل يعكس صورة قاتمة عن مشهد تنموي كان من المفترض أن يكون نموذجاً يحتذى به.

إن هذا المشروع، الذي كان من المفترض أن يضيف قيمة حقيقية لمدينة مكناس ويعزز بنيتها التحتية، يظل شاهداً على كيفية تأثير التراخي في تنفيذ المشاريع الكبرى على سمعة الجهات المشرفة عليها، وعلى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وبات من الضروري اليوم أن يتم مراجعة أسلوب عمل الشركات المكلفة بالمشاريع العامة، وأن تتحمل الجهات المعنية مسؤولياتها في ضمان الالتزام الصارم بكل المعايير من أجل الحفاظ على مصالح المدينة وسكانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى