صنع في المغرب بين القول وضعف الفعل

بشرى عطوشي
شهد السوق المغربي مؤخرًا إقبالًا كبيرًا على منتج مستورد نجح بسرعة في كسب ثقة المستهلكين، مما يبرز درسًا مهمًا للمنتجين والتجار المحليين. فهذا النجاح لم يكن صدفة، بل يعود إلى قدرة هذا المنتج على تلبية الصيغة السحرية التي يبحث عنها المستهلك المغربي: “الجودة مقابل السعر”. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تستطيع شركاتنا المحلية تقديم منتجات تنافسية بنفس المعايير؟
لا شك أن المنتجين المغاربة يملكون من القدرات والإمكانات ما يؤهلهم لتقديم منتجات ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية. بل إنهم قادرون، في كثير من الأحيان، على تقديم منتجات أفضل من نظيراتها المستوردة. لكن، يبدو أن المشكلة لا تتعلق بالإمكانيات بقدر ما ترتبط بالعقليات والإرادة.
فالتحدي الأكبر يكمن في تغيير نظرة بعض الفاعلين المحليين إلى الجودة والابتكار، واعتماد استراتيجيات أكثر جرأة في التسويق والتوزيع.
مشاهد الطوابير الطويلة أمام متاجر بيع المنتجات المستوردة ليست مجرد ظاهرة استهلاكية، بل تحمل في طياتها دلالات أعمق تتعلق بالعجز في الميزان التجاري.
فالإقبال الكبير على هذه المنتجات يعكس فجوة في العرض المحلي، ويطرح تساؤلات حول قدرة الصناعة الوطنية على تلبية احتياجات المستهلكين.
شهد سلوك المستهلك المغربي تحولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. فقد أصبح أكثر حساسية لمعادلة الجودة والسعر، ولم يعد ينخدع بسهولة ببريق المنتجات المستوردة.
هذا التحول يشكل فرصة ذهبية للمنتجين المحليين، الذين باتوا مطالبين بمواكبة هذه التغيرات وتقديم عروض تلبي احتياجات السوق.
اليوم، ومع تزايد وعي المستهلك المغربي، أصبحت الكرة في ملعب المنتجين المحليين. فبعد نجاح منتج مستورد في قطاع الألبان، لا يستبعد أن نشهد سيناريوهات مشابهة في قطاعات أخرى مثل النسيج أو الإلكترونيات. لكن الفرق سيكون في قدرة الصناعة المحلية على الاستفادة من هذا الدرس وتقديم بدائل حقيقية تنافس بقوة.
لم يعد “صنع في المغرب” مجرد شعار للاستهلاك المحلي، بل أصبح ضرورة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني.
وإذا أراد المنتجون المحليون المنافسة بجدية، فعليهم تبني نهج شامل يتجاوز مجرد الإنتاج إلى الابتكار في التسويق والتوزيع وتحسين خدمة ما بعد البيع.
ولقد أظهرت التجارب السابقة أن المستهلك المغربي مستعد لدعم المنتج المحلي بشرط أن يلبي تطلعاته في الجودة والسعر.
واليوم، ومع تغير قواعد اللعبة، لم يعد هناك مجال للتقاعس أو الأعذار. فإما أن نستفيد من هذه الدروس وننهض بصناعتنا الوطنية، أو نظل أسرى لعقلية الانتظار والاستهلاك.
“صنع في المغرب” ليس مجرد شعار، بل هو التزام ومسؤولية. فهل نحن مستعدون لتحملها؟