عبد الله الشرقاوي مسيرة صحافي في سبر أغوار قضايا الإرهاب بالمحاكم
يأتي كتاب “التشادي: “مبعوث داعش” إلى المغرب يطلب الصفح” للصحفي عبد الله الشرقاوي تتويجًا لمسار صحفي طويل امتد لأكثر من ثلاثة عقود. ويعد الكتاب أول إصدار له في هذا المجال، إذ يسلط الضوء على إحدى القضايا المثيرة التي عرضت على محكمة الاستئناف بالرباط، المختصة في مكافحة الإرهاب. ويتناول الكتاب قضية “أبي البتول”، المواطن التشادي الذي تم استدراجه إلى المغرب من قبل تنظيم “داعش”، في محاولة لترسيخ وجوده بالمنطقة الشرقية للمغرب، وتهديد استقرار الحدود بين المغرب والجزائر.
وفي هذا السياق، أجرت الصحافية المتدربة إيمان أوكريش حوارا خاصا مع الصحفي عبد الله الشرقاوي للتداول حول كتابه، وقضايا أخرى متصلة به وبقضايا الإرهاب.
و1. قبل الدخول لصلب الموضوع يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا خوضك غمار تجربة الكتابة عن نوازل الإرهاب كصحفي؟
جاءت هذه الفكرة بعد تجربة “التّخصص” في مواكبة “جرائم الأموال” على مستوى محكمة العدل الخاصة بالرباط، ذات الولاية الوطنية لقضايا اختلاس وتبديد المال العام . وفق مبدأ الاختصاص، من سنة 1990 إلى غاية إلغائها عام 2004، إذ انصبّ الاهتمام بشكل خاص بعد ذلك على قضايا مكافحة الإرهاب، منذ صدور قانون مكافحة الإرهاب رقم 03.03، بتاريخ 28/5/2003 ودخوله حيّز التنفيذ، حيث انطلق الإبحار عبر هذه “السفينة” رفقة ثُلّة من الزميلات والزملاء، الذين مع طول الأمد لم يتبق منهم في “قيادة” مركب معشر الصحفيين إلا عبد ربه والزميلة فاطنة خراز، الصحفية بوكالة المغرب العربي للأنباء، وذلك في إطار مواكبة لصيقة لجلسات الإرهاب المنعقدة كل يوم خميس بالنسبة لغرفة الدرجة الأولى، ويوم الأربعاء على مستوى غرفة الدرجة الثانية بملحقة سلا، بعدما تم نقل مقر محكمة الاستئناف بالقرب من مسجد السنة في قلب عاصمة المملكة إلى حي الرياض بشارع النخيل، لكن قضايا كل المعتقلين، في ذلك الوقت، ظلت قريبة من سجن سلا، حيت تم اقتطاع جزء من المحكمة الابتدائية بسلا “حي السلام”، وخُصّص كملحقة لمحكمة الاستئناف بالرباط، في إطار سياسة التّرْقيع التي ظلت تنهجها الحكومات المُتعاقبة بشأن ظروف اشتغال العاملين بقطاع العدالة بكل مكوناتهم المهنية، ووضعية بنايات محاكم المملكة، إلى درجة أضحى معها المقر الجديد للمحكمة الابتدائية بسلا كفضاء لـ “دور القصدير” من حيث التّكدس، إذ تم “احتلال” بعض الممرات، بإحداث بناء فيها.
وعودة لموضوع اهتمامي بقضايا الإرهاب فإنني لا أتحدث هنا عن المواكبة الإعلامية لملفات بعينها قد تستأثر من حين لآخر باهتمام الرأي العام الدولي والوطني، وإنما التّتبع المُسترسل واللصيق، وبشكل أسبوعي لهذه النوازل، حيث كنت على موعد مع جلسة كل يوم خميس، ولم أكن أخلف موعدها إلا لأسباب قاهرة، وبعد تعذر التناوب على حضور رفيقة الدرب فاطنة خراز، والتي رغم سفرها للاشتغال في مصر كصحفية هناك بقيت وفيا لعادتي التي مارستها بمُتعة كبيرة، وأيضا لكون عملي في جريدة “العلم” ظل محصورا منذ 1996 في مواكبة ما يرتبط بالقانون وشؤون العدالة وتتبع قضايا المحاكم التي كنت “مسكونا” بها، وتُمثل جزءا من حياتي، خاصة أني تفاديت تكرار تجربة محكمة العدل الخاصة من زاوية التعاطي مع الأرشيف، باعتبار أني ضيّعت جزءا مهما بخصوص قضايا اختلاس ونهب المال العام، والتي واكبت نوازلها بشكل دقيق في عهد “المرحومة” محكمة العدل الخاصة بالرباط، لأتدارك الأمر في ما بعد من خلال “قسم جرائم الأموال” باستئنافية الرباط، وكانت باكورة هذا الانشغال إصدار ثلاثة طبعات من مؤلفي “قضايا اختلاس المال العام بالمغرب” آخرها في شهر نونبر 2022، تزامنا مع تقاعدي.
وهكذا بسفر رفيقة الدرب فاطنة خراز إلى بلاد الكنانة بقيت صحفيا “يتيما” في قاعة فسيحة وعريضة مُفتقدة للمكيفات، صيفا وشتاء، أتابع ملفات الإرهاب كل يوم خميس أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بملحقة سلا، وهي القاعة التي هجرتها حتى عائلات المتهمين في الغالب الأعم، واستمر الوضع على هذا النحو إلى أن بدأ يتسلل إلي الفتور سنة 2020، مع توالي تعثر المحاكمات الحضورية بسبب تداعيات “كوفيد 19” أو حتى بعد “إطلاق سراحها” وشُرع في العمل بها.
وواصل الفتور “غزواته” إلى غاية تقاعدي من جريدة “العلم” يوم 10/10/2022، بعد 32 سنة من العمل مرّت كالبرق، منها 19 سنة وبضعة أشهر قضيتها مواكبا عن قرب لمحكمة مكافحة الإرهاب.
2. ما الذي دفعك لاختيار قضية “التشادي” تحديدا لتكون أول إصدار لك حول قضايا الإرهاب؟ ولماذا إقحام “مبعوث داعش” ضمن العنوان؟
اختياري لملف “التشادي” لكي أستهل به مؤلفاتي الخاصة بـقضايا ” الإرهاب” بعد تقاعدي الإداري من جريدة “العلم”، ليس لكونه ملفا استثنائيا، أو مميزا، أو يكتسي خطورة بالغة، أو له أهمية خاصة عن باقي القضايا المُدرجة بهذه المحكمة، لأن هناك ملفات أخطر منه، وبعضها مرتبط بالدم، كما أن هناك “تشاديين” كُثُرا من المغرب وجنسيات مختلفة استأثرت أطوار محاكمتهم باهتمام إعلامي دولي ووطني.
لقد وجدتني مهتما بنازلة “التشادي” ليس فقط من حيث وقائعها، وإنما لعدة أسباب أخرى، أولها أنني سمعت المتهم يطلب “الصفح” ضمن تصريحاته في مجلس القضاء، وثانيها أنها تُحاكي قضايا أخرى عُرضت على استئنافية الرباط، وهي مناسبة لأبسط من خلالها عَيّنة من الوقائع ومرافعات الأطراف، والأحكام الصادرة فيها، والتي تُعطينا أيضا صورة عن نوعية الأشخاص المتابعين على مراحل متفرقة من عمر هذه المحكمة، وذلك عبر الهوامش المرفقة بالوقائع المنسوبة لـ “التشادي”.
وثالث عنصر أثارني في هذا الملف هو توالي عمليات نقض الحكم، لكونه يحتوي على ثمانية قرارات قضائية، وهو أمر مُلفت للمتتبع، حيث نُقض ثلاث مرات أمام محكمة النقض بالرباط لحدود نهاية سنة 2022، وأُدرج أربع مرات أمام الغرفة الاستئنافية في محكمة الاستئناف بالرباط “الدرجة الثانية من التقاضي”، حيث أُدين المُلقب بـ “أبي البتول” في المرحلة الأخيرة بـ 5 سنوات سجنا نافذا، بعد أن كانت النيابة العامة قد طالبت غرفة الدرجة الأولى بالحكم عليه بـ 30 سنة سجنا، لكن الهيئة القضائية قضت بتاريخ 10/11/2016 بـ 20 سنة سجنا نافذا، مع إبعاده خارج التراب الوطني بعد قضائه العقوبة المحكوم بها، ثم أُدين بـ 15 سنة سجنا، و10 سنوات سجنا نافذا، حيث كان المتهم قد أبدى، للمرة الثانية، فرحة كبيرة إبان سماعه منطوق الحكم نتيجة عملية تخفيض العقوبة السجنية، لكونه يتحدث باللغة العربية.
وهكذا آخذت الهيئة القضائية الاستئنافية، في حلّتها الرابعة، يوم 21/12/2022، الظنين بـ 5 سنوات حبسا نافذا، علما أنه كان قد قضى أكثر من المدة المحكوم بها، فقد مكث في المؤسسة السجنية 6 سنوات وحوالي سبعة أشهر، لأنه اعتقل بمدينة طنجة في 13/05/2016.
وفيما يخص الشق الثاني من السؤال فإني تعمدت أن أشير في عنوان الكتاب إلى التشادي “مبعوث داعش” إلى المغرب يطلب الصفح مع وضع الكلمتين “مبعوث داعش” بين معقوفتين، لأنه فعلا تم استقطاب المتهم الملقب بـ “أبي البتول” إلى المغرب، ونزل بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، إثر حصوله على الفيزا، وتم استقباله من طرف جزائريين، واتجه الثلاثة إلى مدينة السعيدية ومنها إلى مدينة طنجة.
كما أن عنوان المؤلف بدا لي مثيرا، وفيه لمسة صحفية، وليس هناك تجنٍّ على المتهم، الذي يقر بأفعال منسوبة إليه ويطلب بشأنها الصفح، وينفي أخرى خاصة ما يتعلق بالمتفجرات المحجوزة في شقته المكتراة في مدينة طنجة، إضافة إلى أنني أقدم في هذا المؤلف جميع تصريحاته بالنقطة والفاصلة في جميع مراحل التقاضي، وكذا نقل ما راجع في أطوار المحاكمة، بما في ذلك مرافعة النيابة العامة والدفاع.
3. كتابك يوثق محاكمة “التشادي” الملقب بـ”أبي البتول”، ما الذي يجعل هذه القضية متميزة مقارنة بغيرها من قضايا الارهاب التي تابعتها أمام محكمة الاستئناف كمحكمة وطنية مختصة في مكافحة الجرائم الارهابية؟ وبالتالي كيف ترى دور التنظيمات الإرهابية في محاولة اختراق المغرب من خلال مثلا إمارة “أسود التوحيد” التي تورط فيها التشادي؟
كما قلت آنفا إن نازلة “التشادي” نسبة للمتهم الذي يحمل الجنسية التشادية، ليست استثنائية، ولم تبلغ خطورة سفك الدماء والقيام بعمليات تفجيرية، على غرار الأحداث الإرهابية المتعددة التي وقعت بالدار البيضاء سنتي 2003 و2007، أو تفجير ساحة الهديم بمكناس عام 2007، ومقهى “أركانة” في مراكش سنة 2011، والجريمة الفظيعة لخلية الدم بمنطقة “شمهروش” في الحوز بإقليم مراكش أواخر عام 2017، التي ذهبت ضحيتها فتاتان من جنسية اسكندنافية، لكن يبقى أيضا أن ملف “التشادي” يكتسي هو الآخر خطورة بالنظر للوقائع المنسوبة إليه، والتي تُحاكي عددا لا بأس به من الملفات المدرجة أمام القضاء، وقاسمها المشترك هو السعي الحثيث لتنظيم “داعش” أو ما يُسمى “الدولة الإسلامية” إلى محاولة بسط نفوذه في أفق تشكيل “دولة الخلافة” عبر ما يصطلح عليه “التمدد”.
في هذا الإطار تم استقطاب المتهم التشادي للمغرب عام 2016 بغية تحطيم الحدود بين الجزائر والمغرب لإقامة إمارة “أسود التوحيد” بالمنطقة الشرقية للمغرب، من خلال القيام بعمليات تفجيرية تزامنا مع ذكرى الأحداث الدموية لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، طبقا لصك الاتهام، إذ أن هذه المعطيات يمكن أن تكون موضوع فيلم متميز يحصد أحسن الجوائز وطنيا ودوليا، لكونها تحتوي على كل عناصر الحبكة والتشويق المتطلبة في الأفلام العالمية الناجحة.
وهنا فإنه لا بد من الـتأكيد على أن هذا الكتاب هو عمل توثيقي غير مسبوق وغير متوفر حتى بالنسبة للباحثين والجامعيين والقضاة والمحامين، بدءا من تصريحات المشتبه فيه عند الشرطة القضائية، ولدى قاضي التحقيق في مرحلتي التحقيق الابتدائي والتفصيلي، وقرار الإحالة الذي بموجبه أُحيلت القضية على القضاء الجالس، مرورا بحصر الإطار القانوني للفصول التي توبع بموجبها المتهم، ثم الحكم الابتدائي، وأربع قرارات استئنافية “الدرجة الثانية من التقاضي”، وانتهاء بثلاث قرارات لمحكمة النقض بالرباط، أي أن هذا العمل مادة خام وأرضية يمكن تدريسها في الجامعات ومعاهد تكوين القضاة والمحامين وضباط الشرطة القضائية، وكذا الاشتغال عليها مثلا من طرف علماء النفس والاجتماع والإجرام، خاصة أن أهم ما في نازلة “التشادي” هوامشها البالغ عددها 429 هامش.
وهنا أضيف أنه إذا كانت قضية “التشادي” مهمة من هذه الناحية للدراسات والبحث واستخلاص العبر فإن هناك اليوم جوانب أهم من الأفعال التي تمت مؤاخذة المتهم بها، بعد أن قضى عقوبته وتم ترحيله إلى بلده، وهذا جانب محوري، أيضا، شدني ودفعني لمحاولة تسليط الأضواء على قضية “التشادي“ من خلال جملة من الإشكالات والتساؤلات المرتبطة بالتطرف بوجه خاص والجريمة بوجه عام، والتي تنتعش في ظل العلاقة الوطيدة بين ثالوث “الإرهاب والفساد والاستبداد”، أو من زاوية عمليات التقاضي التي تتقاسمها ملفات الإرهاب مع باقي ما يروج في مرفق العدالة بمختلف شعبه ودرجاته.
وفي هذا السياق، لابد من التذكير أن معطيات أغلب الملفات القضائية تشير إلى سعي التنظيمات الإرهابية للتوسع ودفع أتباعها وخلاياها النائمة إلى القيام بعمليات تفجيرية داخل بلدان الأشخاص الذين يتم استقطابهم، بما في ذلك استعمال التفجيرات عن طريق “الذئاب المنفرة” التي تمثل أحد التحديات الأمنية الكبرى للدول، أو محاولة إدخال أسلحة نارية من أحد منافذ الحدود، حيث تعتمد هذه التنظيمات بشكل مكثف على شبكة الإنترنت من أجل غسل الأدمغة، وضمان التنسيق، وتقديم الدعم، دون الحديث عن استهداف القاصرات والقاصرين والنساء، والإغراء بالعيش الكريم وصيانة الكرامة.
وهنا تظل جملة من الأسئلة عالقة وتفرض إجابات واضحة، من قبيل كيف سنتعاطى مع صنف من المتطرفين لا تهمهم العقوبة السجنية أو الحبسية، لأنهم لا يؤمنون بالمؤسسات ويعتبرونها “طاغوتا” ويٌكفرون المجتمع؟ وماذا بعد قضاء المحكوم عليهم العقوبة السجنية أو الحبسية، وهي معضلة تعاني منها كثير من الدول؟ وماذا عن تأهيل وإدماج العائدين من بؤر التوتر من النساء والأطفال الذين لم توجه لهم اتهامات؟ ومتى سنفتح النقاش العمومي حول زوجات وأبناء التكفيريين الذين يُحرمون (من طرف الأزواج والآباء) من التمدرس، والصلاة في المساجد، واللعب مع أقرانهم، ومن أكل لحوم الأسواق، إلى غير ذلك من الإشكالات المرتبطة بحالة العود، واستغلال قياديي التنظيمات المتطرف “العزف” على ظروف الفقر والهشاشة والبطالة والسكن في دور القصدير، لاستمالة الأتباع.
4. في هوامش هذا الكتاب أشرت إلى طول مدة المحاكمات، وتساءلت عن مصير المتهمين بعد قضاء عقوبتهم، كيف تؤثر هذه النقط على العدالة وعلى مكافحة الإرهاب؟
حرصت في هذا الكتاب على أن أبرز أيضا أهم إشكالات عملية التقاضي ومعيقات “إصلاح منظومة العدالة”، سواء من خلال ما تضمنه ملف “التشادي”، أو مما يتقاسمه مع باقي الملفات المعروضة على المحاكم بمختلف شعبها، وذلك عبر هوامش “المؤلّف”.
وقد أشرت في هذه الهوامش إلى كثير من القضايا منها ما يتعلق بالمبادئ ومنها ما يهم تعليقات وملاحظات على نوازل وأحداث، ومنها أيضا ما يُمثل مقترحات من شأن الأخذ بها وتصحيح عدد من النواقص التي تعتري منظومة العدالة بشكل عام.
ونظرا لكثرة الهوامش، التي أعتبرها كتابا آخر ضمن كتاب التشادي “مبعوث داعش” إلى المغرب يطلب الصفح فإنني سأكتفي بذكر بعض ما تضمنته كأمثلة فقط، حيث يمكن الاطلاع على التفاصيل وباقي القضايا في الكتاب.
ومن بين ما أثرته في هذا الصدد “الحق في المحاكمة داخل آجال معقولة” التي هي قاعدة دستورية نص عليها دستور 2011، لكنها تحتاج إلى تفعيل. وكذلك ضرورة إعادة النظر في مسألة المساعدة القضائية التي يتمتع بها متهمون بشكل إلزامي، وذلك في حالات معينة حتى لا تصبح مسطرة شكلية، ناهيك عن عدد من القضايا التي تهم واقع العدالة، سواء من ناحية الموارد البشرية وتكوينها، بما في ذلك التخصص وشروط ولوج المهن القضايا، أو من ناحية الاعتمادات المالية والبنيات التحتية سواء المخصصة للتكوين، أو للتقاضي، باعتبار أن المتقاضي هو محور هذه المعادلة.
وأثرت كذلك كلفة عملية التقاضي، وجودة المنتوج القضائي “كما وكيفا” الذي يتأثر بعدد من العوامل منها ما ذكرته قبل قليل. كما تساءلت عن مصير مشروع رقمنة المحاكم الذي وضع له سقف 2020، وعن مصير مُخرجات الحوار الوطني حول ما سُمي بـ “الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة” بالنظر إلى الرهانات التي تأسس عليه هذا الحوار عام 2012.
وأؤكد أن هذه أمثلة قليلة بالنظر للقضايا التي ناقشتها في هوامش هذا المؤلف، وسيجد القارئ والباحث، بالإضافة إلى تفاصيل ما ذكرته هنا، كثيرا من القضايا الأخرى التي لا تقل أهمية في متن الكتاب.
5. كيف أثرت تجربتك في متابعة الإرهاب طوال 19 عاما على رؤيتك لهذه القضايا؟
كما أسلفت فإن مواكبتي لقضايا الإرهاب طيلة 19 سنة وبضعة أشهر كانت تتم بشكل مُسترسل منذ صدور قانون مكافحة الإرهاب رقم 03.03 في 28/8/2003 إلى غاية تقاعدي الإداري من جريدة “العلم”، حيث كنت أواكب بوجه خاص أطوار المحاكمات الجارية أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بالإرهاب كل يوم خميس، وفي حالة تعذر ذلك كنت أنسق مع الزميلة فاطنة خراز، بل إننا في السنوات الأخيرة شكلنا فريقا ثلاثيا بمعية الزميل نجيب توزاني، إذ كنا نتقاسم المهام فيما بيننا على صعيد ما يروج أمام الدائرة الاستئنافية بالرباط، وطبعا نتفق مُسبقا على موعد للنشر إثر تقاسم المعلومات، باعتبار أننا نحن الصحفيين الذين بقينا في الساحة نواكب ما يجري من محاكمات بالدائرة الاستئنافية بالرباط، علما أن هناك زميلات وزملاء آخرين كانوا متابعين لما يروج، لكن ليس بشكل لصيق ومسترسل ودؤوب.
وجوابا على سؤالكم فإنه استنادا لتجربتي في نوازل جرائم الأموال التي كانت تعرض أمام محكمة العدل الخاصة بالرباط، بدأت أشتغل بخلفية التوثيق والأرشفة، وذلك قبل إلغاء هذه المحكمة سنة 2004 بوقت وجيز، مما مكنني من رؤية واضحة بشأن استهداف ملفات بعينها لكي أشتغل عليها كمؤلفات بعد تقاعدي، حيث كنت في عملي اليومي، كما أقول، أجمع بين “الخُبزي” الذي أتقاضى بموجبه أجرة شهرية وأرشفة وتوثيق ملفات الجرائم الإرهابية، حيث تعد جريدة “العلم” مرجعا مهما من حيث توثيق المحاكمات والنقاش القانوني والفقهي المرتبط بهذا المجال، بما في ذلك التعليق على مشاريع القوانين والأحكام القضائية.
هذا وأن قضايا الإرهاب المعروضة أمام محكمة الاستئناف بالرباط كمحكمة وطنية وحيدة متخصصة للبت في هذا الصنف من الجرائم، لا يمكن تصنيف المتورطين فيها في سلة واحدة، بل هم ملل ونحل، ويمكن أن تجد داخل دائرة “التكفيريين” فرقا، كل واحدة منها تعتبر نفسها هي الفرقة الناجية والآخرين في قاع جهنم وليسوا فقط على مشارفها.
إن تتبع الصحفي لملفات الإرهاب من خلال مواكبة ما يروج بمجلس القضاء في جلسة عمومية يُعطيه صورة حقيقية حول جانب من الظاهرة الإرهابية وطنيا ودوليا، وذلك استنادا لما يروج في مرحلة الضمانات أمام القضاء الجالس وفي جلسة عمومية تواكبها بعض عائلات المتابعين أحيانا، حيث هناك من جهة من يعترف باقتراف جرائم القتل، وآخرين يتمسكون بمشارعهم التخريبية ولا يعيرون أي اهتمام حتى للأحكام القضائية، وصنف ثالث يصر على النفير لـ “دولة الخلافة” ويشيد بها من داخل السجن، علما أن هناك فئة تتمسك ببراءتها وتنكر المنسوب إليها.
في هذا الصدد فإن السنوات الأخيرة عرفت استئسادا لجريمتي الإشادة بأفعال إرهابية والإشادة بتنظيم إرهابي بفعل الثورة الرقمية التي اقتحمت البيوت، وتراجع الأسرة عن القيام بواجبها، وعدم اضطلاع الإعلام العمومي بوجه خاص بوظيفة التحسيس والتوعية والتثقيف، وهي وظيفة يُفترض أن تكون موازية حتى أثناء مناقشة مشاريع القوانين من باب توعية المواطنين بحقوقهم وترسيخ الثقافة القانونية والحقوقية، إضافة إلى تراجع تأطير الأحزاب السياسية والجمعيات، وتفشي الفقر والبطالة والهدر المدرسي، وغيرها من مظاهر هضم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تستغلها الجماعات المتطرفة لاستقطاب الأتباع وغسل أدمغتهم، مع توظيف قادة ومؤطري ومنظري التنظيمات الإرهابية للشبكة العنكبوتية بشكل جيد.
وما أسجله بهذا الخصوص هو أن السواد الأعظم من المتابعين والمتابعات بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003، والمعدل سنة 2015، لم يسبق لهم أن انخرطوا في الأحزاب السياسية ولا جمعيات المجتمع المدني، وهي ظاهرة ملفتة ومقلقة تستدعي التوقف مطولا عندها، ويفترض أن تثير نقاشا عموميا واسعا. وهنا يمكن إعطاء ثلاث عينات متناقضة من حيث وقائعها للمتابعين قضائيا، على سبيل المثال لا الحصر، من قبيل:
أولا، تورط متابعين نتيجة “المزاح” مع بعض ذويهم أو جهلهم بالقوانين في إطار محاكمتهم من أجل جرائم الإشادة بأفعال إرهابية والإشادة بتنظيم إرهابي التي تأتي على رأس الجرائم الإرهابية في السنوات الأخيرة، والتي قل فيها عدد المتابعين مقارنة مع ما كان يعرض على مدى أكثر من عقد من الزمن، حيث كان المتورطون كـ “الجراد” في انتشاره، إلى درجة وصلت فيها الإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية بملحقة سلا إلى 100 متهم في الجلسة الواحدة، كما هو موثق في هوامش الكتاب.
ثانيا، هناك متورطون يسعون للقيام بعمليات إرهابية داخل المغرب بإيعاز من قياديي تنظيم “داعش”، أو الالتحاق بتنظيمات إرهابية بالمنطقة السورية – العراقية، أو ليبيا، أو الجرائر، أو باقي دول الساحل جنوب الصحراء، من أجل العيش في كنف “دولة الخلافة” ضمانا لـ “عيش رغيد” لكن عند التحاقهم يجدون أن وعود العيش “الكريم” تحولت إلى السراب بشهادة عدد من المتهمين، الذين منهم من عادوا من ساحة المعارك مصابين بالرصاص، أو عرضوا ذويهم للمخاطر والأزمات النفسية وغيرها من الندوب والمآسي التي تحتاج أن يُهتم بها، على غرار تأهيل العائدين من النساء والأطفال، الذين في الغالب يتم الاستماع إليهم وإخلاء سبيلهم، في حين تتم ملاحقة الأزواج والإخوة، ممن تم ترحيلهم إلى أرض الوطن.
وهنا يمكن للسينمائيين والمركز السينمائي الدخول على الخط للمساهمة في معالجة الظاهرة الإرهابية بالمغرب، انطلاقا من موقعهم، من باب تسليط الضوء والتوعية، وتصحيح مفاهيم العقيدة لدى فئة واسعة من المحكومين في نوازل الإرهاب، إضافة إلى تقديم حالات لطاعنين في السن رجعوا من ساحة المعركة، وكلهم حسرة وألم على ما أصاب أسرهم من ضياع وشتات وتمزق، وحصرة واحد منهم، مثلا، على قتل ابنته ورفض رواية صهره بكونها توفيت بشكل طبيعي في سوريا.
ثالثا، المتطرفون من السلفية “الجهادية” و”التكفيرية”، وهم بدورهم نحل وملل إلى درجة هوس بعضهم بسفك الدماء، وبُغض الآخر الذي هو على نفس المعتقد، والحلم بـ ” دولة الخلافة”، وعلى سبيل المثال أذكر أن جنديا سابقا فر من الخدمة كان قد التحق بألمانيا بعد قضاء عقوبته الحبسية، وعاد إلى المغرب متشبعا بالتطرف، وتمكن من “النفير” إلى بلاد الشام، حيث خاض معارك مع تنظيم “داعش” إلا أنه حينما أراد تغيير وجهته نحو تنظيم “جبهة النصرة” تم سجنه وطلبوا منه “التوبة” مما جعله يخطط للعودة إلى المغرب إثر إصابته على مستوى ذراعه في إحدى المعارك.
وقد حكم هذا المتهم بـ 15 سنة سجنا وظل يحلم بـ “دولة الخلافة” من خلال وضع هيكلة لمؤسساتها العسكرية والأمنية عبر الإشادة بهذا التنظيم من داخل المؤسسة السجنية، وهو يتباهى بذلك في جلسة عمومية، وبلغني أنه قد يكون انتحر في السجن بسبب الحالة النفسية التي كان عليها.
ومن ضمن الأمثلة الأخرى التي عايناها، بما أننا نتحدث عن حالات استثنائية وشاذة، إبان محاكمة متهمين أمام القضاء الجالس هناك عينة منهم يصرون على سفك الدماء، كعناصر من خلية الدم بمكناس الذين ذبحوا موظفا بوزارة العدل وقطعوه إلى أطراف بين صلاتي العشاء والصبح تخللتها فترة تناولهم العشاء، وعناصر من خلية “شمهروش” التي سفكت دم ضحيتين أجنبيتين بطريقة همجية.
6. ذكرت أنك بصدد إعداد سبعة كتب أخرى في ملفات مشابهة، هل يمكن أن تعطينا لمحة عن المواضيع التي تتناولها؟
في ما يخص قضايا الإرهاب التي أشتغل عليها فإنها تندرج في سياق الأمثلة التي سردتها في الجواب السابق، وكذا ما يتعلق مثلا بنوازل تمويل الإرهاب، وخلية “النساء” التي هي كتاب مشترك مع الزميلة فاطنة خراز. كما أني أشتغل في ذات الوقت على مؤلفات تهم جرائم المال العام، والصحافة، والمحاماة، وكتابي: “محطات من تاريخ المغرب” (ولماذا “إعدام” محكمة العدل الخاصة؟)، التي تندرج في إطار اهتماماتي كصحفي بقي يشتغل حصرا في كل ما له علاقة بالقانون والعدالة، وذلك اعتمادا على أرشيفي الخاص.
7. هل ترى أن الصحافة المغربية أدت دورها بشكل كاف في توثيق قضايا الإرهاب؟ وكيف يمكنها أن تتطور في هذا المجال؟
ما ألاحظه أن هناك ضعفا شديدا في الاهتمام من قبل الصحافة بما يروج أمام المحاكم، إلا في حالات تكتسي صبغة سياسية، أو حقوقية، أو أن هناك حدثا له تداعيات دولية، وغالبا ما أصبحوا يكتفون ببلاغ رسمي، أو اعتماد مصدر من عائلة المتهمين ودفاعهم.
إن هذا الوضع يجعلني أتساءل عن أسباب غياب متابعة وسائل الإعلام لما ينشر أمام القضاء عبر مواكبة لصيقة لما يجري في قاعات الجلسات، والتي كانت عبارة عن موضة في التسعينيات، حيث كانت عدد من الجرائد الورقية تعتمد صحفيين متمرسين، كالزملاء سعيد أفلوس، وهادن الصغير، ونور اليقين بن سليمان، وعبد الرفيع الأومليكي، والزميلة فاطنة خراز التي بقيت رفقتها إبان السنوات الأخيرة كصحفيين يتيمين مواكبين لقضايا الإرهاب وجرائم الأموال بوجه خاص، وذلك على مستوى الدائرة الاستئنافية بالرباط، حيث يلاحظ في السنوات الأخيرة تراجع كبير للمقاولات الإعلامية في التعاطي مع قضايا المواطنين/ المتقاضين، علما أن الملفات القضائية هي تشريح دقيق لواقع المجتمع بدون مساحيق، سواء ما ينشر أمام قضاء الأسرة، والمحاكم التجارية، والإدارية، والزجرية، والمجلس الأعلى للحسابات كمحكمة مالية.
وأعتقد أيضا أن ثقافة الاستهلاك التي أصبحنا عليها خصوصا في دول الجنوب، وما يكرسه العالم الرقمي في هذا المضمار، والتطورات المتلاحقة على المستوى الإعلامي، وما تمخض عن ترويج “ثقافة التفاهة” ساعد بشكل كبير في عدم الاكتراث بما يروج في قاعات جلسات المحاكم بالشكل المطلوب، علما أن معطيات نوازل المتقاضين هي، كما قلت سلفا، تجسيد لما يموج في المجتمع في أدق جزئياته وتفاصيله، بما في ذلك تغول الفساد، والظواهر الإرهابية، وغيرها مما تعالجه المحاكم على طول أسابيع السنة.
إن هذا الزخم من واقع مجتمعنا يظل بعيدا عن الاهتمام والعناية بالشكل الواجب، مما يستلزم أولا إعادة النظر في التعاطي مع ما يُنتجه القضاء في جميع شعبه بمختلف المحاكم، كسلطة مستقلة، وثانيا العناية بأرشيف المحاكم، وبالتالي دراسة جانب من السياسة الجنائية التي هي مرآة المجتمع، بُغية استخلاص العبر والنتائج لما بعد صدور الأحكام القضائية، وذلك عبر إعادة قراءة القرارات القضائية النهائية، لإصلاح الأعطاب والإجابة على جملة من الإشكاليات المرتبطة بالحد من الجريمة وعمليات التقاضي التي هي جزء من انشغالات المواطنين، وترسيخ شروط المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان.
وهنا يمكن الرجوع إلى الخلاصات والتوصيات الواردة في مؤلف التشادي، الذي يقدم مقترحات لا تقف عند المساهمة في علاج الإشكالات الناتجة عن الظاهرة الإرهابية، بل تشمل تسليط الأضواء حول معضلات عملية التقاضي التي تتقاسمها مختلف النوازل المعروضة بشعب محاكم المملكة، تبعا لما واكبته على امتداد 32 سنة من الاشتغال بالصحافة.
إذن لمعالجة إشكالات عمليات التقاضي لا بد للأطراف المعنية من تحمل مسؤولياتها، بدءا من الحكومة، والسلطة القضائية، مرورا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، واللجنة المؤقتة لإصلاح قطاع الصحافة والنشر ” المجلس الوطني للصحافة”، والجمعيات المهنية العاملة في الحقل القضائي، وكذا تلك المهتمة بالشأن الحقوقي وما يهم المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، حيث كانت بعض الجمعيات تنشر تقارير دورية عما يروج في بعض جلسات المحاكم وترصد الأحكام القضائية وتطالب بتنفيذها، كما تصدر توصيات في مؤتمراتها تنصب حول مجال العدالة والقوانين وحقوق الدفاع، وانتهاء بنهوض الإعلام بوظيفته، بما في ذلك التوعية والتثقيف والتحسيس، وهو ما فصلته في كل من مؤلفي التشادي “مبعوث داعش” إلى المغرب و”قضايا اختلاس المال العام في المغرب“.
كما أن الدعوة موجهة أيضا لباقي المؤسسات الدستورية للإدلاء بدلوها، باعتبار أولا الكلفة باهظة لعملية التقاضي، وثانيا بالنظر للعلاقة الوطيدة بين ثالوث “الارهاب والفساد والاستبداد” للحد من الجريمة.
8. ما هي النصيحة التي تقدمها للصحفيين الشباب المهتمين بمتابعة قضايا حساسة مثل الإرهاب؟
لا أريد أن أدخل في مسلمات ومقومات العمل الصحفي، وما يجب أن يتسلح به مما هو معلوم بالضرورة، ولكني أريد أن أقول لزميلاتي وزملائي الصحفيين المهنيين الممارسين إن عليهم أولا، معرفة الإطار القانوني الذي يشتغلون في سياقه، انطلاقا من قانون الصحافة والنشر، والاطلاع على نماذج من الأحكام والقرارات القضائية النهائية الصادرة في هذا المجال، وثانيا، السعي للتخصص في ميدان معين داخل المقاولة الإعلامية، مما يثير اهتمامهم وانشغالهم، رغم أن هذه الوضعية غير مربحة بمنظور أغلب مسؤولي المقاولات الإعلامية، لأن همهم، في هذا الشق، هو الإنتاج بوفرة وحرصهم على تعدد مهام الصحفي، وهو ما يطرح بدوره جملة من المعضلات والتساؤلات، كالصحة النفسية للصحفيين، ومنتوج الكم والكيف، وظروف اشتغال الصحفيين، ومسألة الدعم العمومي في علاقتها بتأهيل الصحفيين وأداء جميع مستحقاتهم تجاه مؤسسات الضمان الاجتماعي والتقاعد.
وهنا أشير إلى أهمية النقاش العمومي المفترض أن يطرحه، مثلا، الكتاب الجماعي لتسع صحفيين شباب : “على مقياس ريشتير”، الذي نظمت له أخيرا قراءة بالرباط، خاصة ما يرتبط بالصحة النفسية للصحفيين، والتكوين والتأهيل، وظروف العمل.
وفي انتظار ذلك فإني أقترح على الزملاء خوض “معارك” من أجل فرض التخصص والتكوين والتكوين المستمر، والانخراط في جمعية “إعلاميي عدالة” التي تضم صحفيين يشتغلون في الحقل القضائي، وتسعى لترسيخ التخصص والتكوين للصحفيين، وتحسين ظروف عملهم داخل المحاكم، كتخصيص كراسٍ لهم خلف المحامين، وتفعيل قاضي التواصل، ولما لا الدفاع عن اعتماد صحفيين لدى المحاكم على غرار الاعتماد الجاري به العمل بمجلس النواب.
كما أدعو الزميلات والزملاء إلى اعتماد التوثيق في عملهم اليومي، لكي يستغلوه بعد تقاعدهم الإداري إن دعت الضرورة إلى ذلك، وصقل مواهبهم بالقراءة، والاهتمام بوضعية تقاعدهم لكي لا يرتكبوا أخطاءنا، خاصة في ظل غياب أي إطار يدافع عن هذه الفئة التي تعاني الهشاشة والفقر المدقع على مستوى هزالة المعاشات الشهرية والتغطية الصحية، مما دفع ثلة من الصحفيين إلى إحداث “منتدى الصحافيات والصحفيين الشرفين بالمغرب” في 4 يوليوز 2023، والذي أتشرف برئاسته حاليا.
في هذا المضمار أجدد الدعوة للزملاء لكي لا يرتكبوا أخطاءنا في وضعية تقاعدهم، ويربطوا وضعية الزيادات في الأجور بمآل التقاعد، كما أطالب المجلس الوطني للصحافة، والنقابات المهتمة بأوضاع الصحفيين من جهة بوضع ملف تقاعد الصحفيين المهنيين الممارسين حاليا ضمن أجندة أولوياتها، ومن جهة أخرى أدعو الحكومة، في إطار مبدأ استمرارية المرفق العام، إلى تفعيل التزامات وتعهدات الحكومات السابقة، تبعا لما أوضح بعضه “منتدى الصحفيات والصحفيين الشرفيين بالمغرب” في مذكرته الموجهة لرئيس الحكومة، والتي سنعقد بشأنها ندوة صحفية لتسليط الضوء عليها.
واعتبارا لكوننا نتحدث عن الصحفيين فإن كثيرا من الإشكالات المطلوب معالجتها، كل من موقعه، تعني أيضا المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط وباقي المعاهد المعتمدة في المملكة، بدءا من الاهتمام بالجانب القانوني الخاص بالصحافة والنشر وباقي القوانين ذات الصلة والمفترض أن يكون الصحفي ملما بها، وتسليط الضوء على ظروف اشتغال الصحفيات والصحفيين بالمقاولات من خلال البحوث التي ينجزها الطلبة، بما في ذلك الوضعية الصحية والنفسية والعقلية للصحفيين، ومسألة تقاعدهم المسكوت عنها، والدفع في اتجاه التخصص والمساهمة في التكوين المستمر للصحفيات والصحفيين في إطار شراكات وطنية ودولية، من أجل تأهيل المهنة والرفع من إيقاعها في ظل واقع يحتاج لتضامن المهنيين، و”تشطيب” دارهم من الدخلاء، والدفاع عن المهنة والمهنيين في ظل تحديات كبرى وخطيرة، بما في ذلك الرقمنة والذكاء الاصطناعي.