عملية مرحبا 2025: جسر بشري ولوجستيكي وبحري بين أوروبا والمغرب

بشرى عطوشي 

في كل صيف، يعود ملايين المغاربة المقيمين بالخارج إلى وطنهم في حركة هجرة استثنائية ترمز إلى الترابط الأسري والهوية المشتركة. ولإدارة هذه العودة الجماعية، يُطلق المغرب عملية “مرحبا”، وهي مبادرة إنسانية ولوجستية ودبلوماسية.

في عام 2025، تم الإعلان عن العملية، التي تقودها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، بأن تكون أكثر طموحًا من أي وقت مضى، مع تعبئة قياسية للموارد البشرية والمادية، وتعاون مُعزز مع إسبانيا، ودعم استراتيجي من فاعلين بحريين رئيسيين مثل شركة GNV.

مبادرة إنسانية في صميم حفل الاستقبال

تحتفل عملية “مرحبا”، التي أُطلقت في 10 يونيو، بنسختها الخامسة والعشرين هذا العام تحت رعاية مؤسسة محمد الخامس للتضامن.

تُجسّد هذه العملية الاستثنائية، التي تُعدّ ركيزة أساسية لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج، التزامًا إنسانيًا ولوجستيًا غير مسبوق. من خلال حشد جهودها في المغرب وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا في آنٍ واحد، تُنسّق المؤسسة مع شبكةً مُتكاملةً من المساعدات الاجتماعية والطبية والإدارية المُصمّمة لدعم أكثر من 3.5 مليون مسافر.

يُنظّم البرنامج حول 26 نقطة استقبال “مرحبا”، منها 20 موقعًا في المغرب. وتشمل هذه المواقع موانئ استراتيجية مثل طنجة المتوسط، وطنجة المدينة، والحسيمة، والناظور بني نصار، بالإضافة إلى المطارات الدولية الرئيسية في المملكة. ومن أبرز الميزات الجديدة في هذه النسخة إدراج مطاري العيون والداخلة، مما يُعزّز حضور العملية في جنوب البلاد.

أما في الخارج، فتعمل ست منصات استقبال في موانئ الدخول الأوروبية الرئيسية إلى المغرب، بما في ذلك جنوة، وسيت، ومرسيليا، وموتريل، وألميريا، والجزيرة الخضراء. ويُجسّد هذا الحضور الدولي مدى انتشار المبادرة عبر الحدود، والذي لا يقتصر على الاستقبال داخل المغرب.

لدعم هذه الجهود، تم حشد أكثر من 1200 شخص، من بينهم أخصائيون اجتماعيون وأطباء ومسعفون ومتطوعين. ينسق مكتب التنسيق المركزي (BCC)، ومقره الرباط، عمل هؤلاء الأفراد، ويشرف على جميع العمليات، ويعالج الطلبات، ويوفر خدمة مساعدة هاتفية على مدار الساعة من أوروبا والمغرب.

“مرحبا” ليست مجرد آلية لوجستية؛ بل هي رمز لارتباط المغرب بجاليته في الخارج. تعكس العملية الرغبة في جعل العودة إلى الوطن تجربة سلسة وكريمة ومريحة لملايين العائلات.

تعاون عبر الحدود وتنظيم هائل

إلى جانب البعد الإنساني للعملية، هناك آلية لوجستية هائلة منسقة بين المغرب وإسبانيا، حيث يجند البلدان معًا أكثر من 60 ألف فرد لضمان عبور 3.5 مليون مسافر ونحو 890 ألف مركبة بسلاسة عبر مضيق جبل طارق بين 15 يونيو و15 شتنبر.

ووضع الاجتماع السادس والثلاثون للمفوضية السامية المغربية الإسبانية المسؤولة عن العملية، الذي عُقد في قادس مطلع مايو 2025، الخطوط العريضة لهذه العملية الثنائية. وتزامنت هذه الزيارة، التي كان من المقرر إجراؤها في البداية في طنجة، مع افتتاح البنية التحتية للموانئ بهدف تحسين تدفق المعابر وجودة الاستقبال.

وتلعب إسبانيا دورًا محوريًا في العملية من خلال خطة خاصة للحماية المدنية تضم 20 جهة حكومية. وتشارك تسعة موانئ إسبانية بنشاط، لا سيما في مليلية، وسبتة، وفالنسيا، والجزيرة الخضراء، وألمرية، وموتريل، وملقة، وطريفة، وأليكانتي. على الجانب المغربي، تُعدّ طنجة المدينة، وطنجة المتوسط، والحسيمة، والناظور نقاط الدخول الرئيسية.

يعكس الرقم المذهل لأكثر من 12,000 رحلة عبور بحرية مُخطط لها هذا الموسم، بزيادة قدرها 84% مقارنة بعام 2004، النمو المستمر في تدفقات الهجرة الصيفية. ويمكن أن تُعزز هذه الزيادة أيضاً سياسة تسوية أوضاع المهاجرين الأخيرة التي اعتمدتها الحكومة الإسبانية، مما يُمكّن آلاف العائلات التي كانت في وضع غير نظامي من السفر.

في الوقت نفسه، يشمل التنسيق الثنائي تعبئة موسعة للمتخصصين في مجال الصحة، ومتطوعي الصليب الأحمر، والأخصائيين الاجتماعيين، والمترجمين، ورجال الأمن. ويعتزم المغرب تعبئة موارد تُعادل موارد إسبانيا، مما يُمثل جهداً مشتركاً لضمان عبور سلس وآمن وإنساني.

رافعة الشركة إيطالية البحرية GNV 
قبل أيام قليلة من الإطلاق الرسمي لعملية “مرحبا”، كشفت شركة الشحن الإيطالية “غراندي نافي فيلوتشي” (GNV)، التابعة لمجموعة MSC، عن خطة استثمارية استراتيجية، مؤكدةً بذلك أهمية المغرب في مشاريعها التوسعية. في 28 مايو، قدّمت GNV سفينة GNV أوريون، وهي باخرة من أحدث جيل، مصممة لتجمع بين الأداء البيئي وراحة الركاب.

على الرغم من أن هذه السفينة تعمل بالوقود التقليدي، إلا أنها تتضمن تقنيات تُقلل من البصمة البيئية لكل وحدة يتم نقلها بنسبة 30% مقارنةً بالطرازات القديمة. بالإضافة إلى سعتها المتزايدة للشحن، فإنها تضمن تجربة سفر أفضل، وهو عامل مهم خلال أشهر الذروة لعملية “مرحبا”.

شكّل التوقف الرمزي لسفينة GNV أوريون في ميناء مدينة طنجة فرصةً للاحتفال بالانطلاق اللوجستي للعملية، وللاعتراف بالمغرب كشريك استراتيجي رائد. وتخطط شركة GNV لدمج ست سفن جديدة تعمل بالغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030، أولها، GNV Virgo وGNV Aurora، قيد الإنشاء في الصين.و ستكون بواخر Ro-Pax هذه من بين أكثر السفن الصديقة للبيئة في البحر الأبيض المتوسط، مع أكثر من 500 كابينة وسعة شحن متزايدة.

يمثل المغرب حاليًا ثاني أكبر سوق لشركة GNV، بعد إيطاليا مباشرةً. تخدم الشركة بانتظام موانئ طنجة المتوسط ​​والناظور المغربية انطلاقًا من برشلونة وفالنسيا وسيت وجنوة. تُعد هذه الروابط البحرية أساسية ليس فقط لضمان تنقل المغاربة المقيمين في الخارج، ولكن أيضًا لضمان انسيابية التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط ​​خلال فصل الصيف.

من خلال هذا الاستثمار، تعتزم GNV ترسيخ حضور دائم في منظومة النقل البحري بين أوروبا والمغرب العربي. يدعم التزامها التكنولوجي والبيئي أهداف التحديث لعملية “مرحبا”، التي تهدف إلى أن تكون فعالة وإنسانية ومستدامة.

تمثل عملية “مرحبا 2025” إحدى أكبر عمليات التنقل السكاني المنظمة في البحر الأبيض المتوسط، حيث تحشد عشرات الآلاف من الأشخاص والمؤسسات ثنائية القومية والشركات الخاصة حول هدف واحد: ضمان عودة سلمية وكريمة وفعالة للمغاربة من جميع أنحاء العالم. من المساعدات الإنسانية إلى اللوجستيات عبر الحدود وتحديث الأساطيل البحرية، يساهم كل طرف فاعل في بناء جسر استراتيجي وداعم بين أوروبا والمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى